رأي/ كرونيك

الريسوني وحديث العبث… العلمنة هي المشكل!!!

 

 

محمد بهضوض

هذا ما صرح به شيخنا أحمد الريسوني ، الرئيس الجديد للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وتناقلته عدد من شبكات التواصل الاجتماعي. وذلك في معرض حديثه عن الوضع الذي يعيشه العالم الإسلامي اليوم، والذي ذهب فيه شيخنا الى حد مهاجمة دولة السعودية، ومعها دول الحصار ، لأنها تخلت في مجموعها عن الدين ودعت إلى العلمنة، “يالعياذ بالله”!.

لا أدري شخصيا مدى خلفيات ذلك. ولماذا انقلب شيخنا هذا الانقلاب المفاجىء على أحبته في الإسلام. وهو الذي كان إلى أمس القريب يعيش بين أحضانهم ويمجد صناءعهم ويهلل بهم . لكن، هذا على كل حال موقف يناقض مبدئيا الاسلام ، بل الأخلاق عموما ، التي تدعونا إلى رد الجميل والاعتراف بمن أحسن إليك عملا . لكن يبدو أن السياسة غدارة و” الراس اللي ما يدور كدية”.

هكذا استفاق الرجل من غيبوبته، ليقول لنا ماذا؟ إن السعودية تعيش حالة تخبط قصوى وتنهج سياسات ومخططات غير واضحة منها مثلا : إضافة إلى الدعوة إلى العلمنة، تفكيك المؤسسة الدينية، و عزل الآلاف من العلماء والمعلمين والايمة من مناصبهم بدعوى دعوتهم أو تمويلهم للإرهاب، وملاحقة الجماعات الدينية (الوهابية) التي كانت “تفسد عقول الشباب”، وحرق كتب الدعوة في المؤسسات والسفارات والقنصليات، واعتقال المعارضين والدعاة، والبطش بكل من يشوش على سياسة العائلة الحاكمة للبلاد، وفتح الأبواب أمام “عمليات بهلوانية من قبيل قيادة المرأة للسيارة وفتح الملاهي للرقص والاختلاط” (….).

جميل. لكن هل لهذا التحول علاقة بحالة التخبط التي تشهدها المنطقة؟ مؤكد، بدليل قول شيخنا أن دول الحصار (ولم يذكر قطر طبعا ) تتجه بمجتمعاتها إلى العلمنة، ردا على تصريح مسؤول إماراتي عالي المستوى بهذا الشأن. ما يعني أن ما أثار قلق شيخنا الوقور ليس التخلف الحضاري التي تعيشه هذه الدول واحتكارها للسلطة وتحالفاتها المشبوهة أو المفضوحة مع أعداء الأمة الإسلامية، التي يدافع عنها ، وإنما فقط لأنها تتجه نحو العلمنة وتدعو للانفتاح والبهلوانية، هكذا

وبالطبع، هذا ما يرفضه شيخنا المحترم، “رضي الله عنه”. ما يفيد أنه لو استمرت السعودية مثلا في: تأجير الآلاف المؤلفة من رجال الدين ، وبناء الالاف من المساجد، وتوزيع الملاين من نسخ القرآن وكتب السيرة والحديث (ذات الاتجاه الوهابي)، وتمويل الحركات الإخوانية في مختلف أنحاء العالم (بما فيها العالم الغربي)، والاهم، الإبقاء على ثنائية الحكم المتمثلة في الحكم السياسي لعائلة آل سعود مع الحكم الديني للمؤسسة الإخوانية أو الوهابية وغسل الأدمغة (….). لو استمر كل ذلك لزكاه شيخنا، بكل تأكيد ، واستمر بالطبع في زيارة السعودية والتبرك بخيراتها والتسبيح بحمدها، بله اعتبارها “المدينة الفاضلة”.

السؤال: أليس هذا دليل ، للمرة الألف، على استغلال الدين لفائدة السياسة، وأن رجال الدين لا يؤمن جانبهم، وأنهم -على غرار الشعراء- يقولون ما لا يفلعلون وتراهم في كل واد يهيمون ( إلا من رحم ربك طبعا).؟ الا نشهد أكبر مهازل ذلك اليوم بالذات في السعودية، والتي وصلت إلى حد أن يتم الدعاء للسلطان (اللي على بالكم) في الحرم المكي، وان يقول مفتي هذه الدولة، “الإسلامية جدا “، في فيديو منشور على الفايسبوك ادناه، بأنه يجوز للرجل أكل لحم زوجته. نعم ” أكل لحم زوجته”؟!

لا غرابة في ذلك ، على ما يبدو ، لأن من يسمح بقطع أعناق العباد هكذا أمام العامة في الشوارع أو حتى داخل القنصليات (تطبيقا لحكم الله)، لن يتردد في أكل لحم أخيه ميتا فما بالك بلحم زوجته، التي ليست في النهاية سوى امرأة. والمرأة ،حاشاكم، هي في حكم البهيمة أو أقل ، على رأي بعض فقهاءنا لاسامحهم الله، الذين افتى بعضهم بأن اهجرونهن في المضاجع واضربوهن وافرضوا عليهن الحجاب والنقاب حيث وجدتموهن….، و”إذا جعتم فلا جناح عليكم اذا اكلتموهن”. عادي!

وهنا، قد أتفق مع شيخنا في نقده السياسي والديني للسعودية (ولو جاء متأخرا)، لكن ليس لذات الأسباب ولا الغايات . اذ اذا كانت غاية ما طالب هذا الاخير هو إصلاح سياسي “حقيقي” يتمثل في اعادة السعودية لارتباطها التقليدي مع المؤسسة الدينية (التي تمت تصفيتها بظلم وبطش كثير، نعترف به وندينه) واحتفاظها بتوجهها الثيوقراطي؛ فالمطلوب، في تقديري، هو العكس تماما، أي تحرير الدولة من الحكم العاءلي والديني على السواء، لصالح حكم مدني يمثل كل أطياف المجتمع السعودي دون تمييز، ويجعل ثروات البلد البترولية و”الحجية” في خدمة هذه الاطياف وليس في خدمة العبث “اللى على بالكم”.

ما يفيد ، بهذا المعنى، بأن موقف شيخنا من السياسة والعلمنة والمرأة وغيرها لا تخرج ، كما هو مبين في عدد من كتبه ومحاضراته ومواقفه المعلنة، عن الأصول المعتبرة لما يفهمه فقهنا التقليدي ( بما فيها السعودي الوهابي) عموما من الاسلام، مغلفة بما تيسر من التوابل المقاصدية. ولولا ذلك لما قبلت السعودية باستضافته اصلا لمدة سنوات. كما ذكر، ولكان قد اصطدم مع سلاطينها السياسيين والدينيين في حينه.

لهذا حين ينقلب شيخنا على هذه الدولة اليوم، فإن المسألة تدعو إلى التساؤل المشفوع بالظن ( وان بعض الظن اثم)، بل وتبدو – إلى حد ما – مغامرة من طرفه و طرف اتحاد علماء المسلمين الذي يمثلهم (والذي به العديد من علماء دول الحصار بالمناسبة). ذلك، أن السياسة رمال متحركة وليست محمودة العواقب دائما، وأن العلاقات السعودية القطرية/التركية مصيرها إلى التصالح ذات يوم، فكيف سيكون وقتها موقف شيخنا مع اتحاده، وإلى أي جهة سيدور رأسه وقتها؟ إن غدا لناظره لقريب.

في انتظار اتضاح ذلك، تبدو بعض التصريحات التي أدلى بها الرجل متهافتة ومتناقضة مثل: انه فرح للانقلاب على مرسي وجماعته، وأنه مرتاح لأن مجمع العلماء الذي يمثله لايهتم بالسلطة ، وأنه يدين إقصاء الإخوان وملاحقتهم في دول التحالف ، وأنه يريد الدعوة قبل الحكم وأنه وأنه. ..، الخ.

اما حديثه المذكور عن “علمنة” المجتمعات الإسلامية ، وهي الفكرة الاساس في مشروعه ومشروع اتحاد علماء المسلمين عموما، فهي تستحق منا نقاشا طويلا ، قد نعود إليه لاحقا. ونكتفي هنا بالقول: أن العلمنة أو الدنيوية هي قدر الإنسان مادام يعيش في الأرض وليس في الجنة (التي طرد منها بالمناسبة). وأن الارض كما نعرف مادة وروح وفجور وتقوى، وأن البشر أعلم بشؤون دنياهم (على رأي الحديث) ، وكما لا يخلو دين من علمنة لا تخلو علمنة من دين، “غير الله يرزق الصحة والسلامة”!

لا أدري ما مدى صحة مثل هكذا قول. لكن المؤكد، أن “مسلسل القرضاوي” انتهى بعد أن انتهى تشويقه، وبدا “مسلسل الريسوني”، الذي نترقب أن تكون بدايته مشوقة أكثر، “و فرجة ممتعة”!

********
ملاحظة
سبق لي أن قدمت تعليقا أوليا بسيطا على تصريح أحمد الريسوني بشأن الوضع في العالم الإسلامي عموما وفي السعودية خصوصا. في هذه التدوينة أعود لهذا الموضوع بتحليل أوفى وأوضح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى