ماذا وراء سترات فرنسا الصفراء؟؟؟.. المغرب معني
الأحداث التي تشهدها فرنسا في الآونة الأخيرة لن تقف تأثيراتها عند حدود بلد الأنوار، بل من المؤكد أنها ستمتد لتشمل أقطارا أخرى. المغرب وبحكم طبيعة علاقته التاريخية مع هذا البلد الاستعماري يعتبر معنيا مباشرا بما يشهده من توترات. من هذا المنطلق الاهتمام بهذه الأحداث لا يعتبر “سياحة” أو ترفا فكريا بل هو من صميم القلق المسؤول على البلد ومستقبله.
ما يحدث بفرنسا هو نتيجة مباشرة لإحساس الفرنسيين بانفراط العقد الاجتماعي الذي أطر حياتهم منذ أواسط القرن الماضي. هذا العقد الاجتماعي الذي يحتضر شكل خلفية نموذج سوسيو-اقتصادي مكن أحفاد ديغول من العيش في ظل شروط تضمن كرامتهم. لقد كانت فرنسا في السابق تحسد على مدارسها ومستشفياتها العمومية ومكاسب عمالها… حتى أصبحت الهجرة نحوها حلما بالنسبة للكثير ممن يبحثون عن الرفاه والحرية…
طبيعة الإرث الفكري والسياسي الذي يميز فرنسا جعلها تتجنب انهيار نموذجها بعد هيمنة الفكر النيوليبرالي المتوحش على مفاصل القرار السياسي والاقتصادي في البلدان الصناعية المتقدمة منذ ثمانينيات القرن العشرين. لكن ظهور لاعبين جدد في مسرح الاقتصاد العالمي وخصوصا التنين الصيني جعل بلد الأنوار يفقد أسواقا كبيرة وبالتالي يفقد الموارد الضرورية للاستمرار في تمويل نموذجه الاجتماعي. ومع تراكم العجز في ميزانيات الحكومات الفرنسية المتعاقبة أصبحت النخب السياسية يسارية كانت أم يمينية تهاجم مكاسب الفرنسيين وتطالبهم بالتضحية بجزء منها حتى لا تنهار مقومات توازن بلد “الإكزاكون”.
رد فعل الفرنسيين وعلى غرار مواطني العديد من بلدان الغرب “المتقدم” كان هو فقدان الثقة في ركائز النظام التقليدي والبحث عن بدائل قد تحميهم من خطر انهيار دولة الرفاه والرعاية. وهكذا تسلل خطاب اليمين المتطرف إلى عقول شريحة كبيرة من الفرنسيين وعاد الفوضويون وتنظيمات اليسار الراديكالي ليحتلوا مواقع متقدمة في مسرح الأحداث وبعدها سقط ماكرون من السماء ليعلن موت النخب والأحزاب التقليدية ويعلن نفسه منقدا لفرنسا رغم أن العديد كان على علم بأنه مرشح المؤسسات المالية!!!
لم يمر زمن طويل حتى اقتنع الفرنسيون بأن مراهناتهم كانت خاطئة وأنهم في مواجهة عدو واحد وبأقنعة مختلفة: النيوليبرالية المتوحشة. فارتداؤهم “للسترات الصفراء” وخروجهم للشارع هو نتيجة لاعتقادهم بأن وقت المعركة الأخيرة قد حان وأن الصراع أصبح مفتوحا ومباشرا مع الرأسمال الجشع الذي أصبحت كل الوساطات التقليدية تحت سلطته.
ما موقعنا من كل هذا؟ الراجح أن النظام الفرنسي وتحت ضغط الشارع وفي ظل غياب القدرة التنافسية لاقتصاده والمشاكل البنيوية التي يعيشها الاتحاد الأوروبي سيحاول نزع فتيل الغضب ببعض الإجراءات على المدى القصير لكنه سيتجه أكثر للخارج حتى يجد مخارج لأزمته. وهذا التوجه نحو الخارج لن يعني سوى البحث عن موارد إضافية في المستعمرات القديمة والتي يعتبر المغرب من بين أهمها. وبمعنى آخر علينا انتظار المزيد من هجوم فرنسا المريضة على ثرواتنا رغم أن أوضاعنا ليست أحسن حالا من أصدقائنا الفرنسيين. والراجح أيضا أن حكام المغرب لن يرفضون طلبا لماما فرنسا لأسباب يعرفها الجميع حتى وإن كان ذلك على حساب مصلحتنا نحن المغاربة.
في الخلاصة، ما يقع في فرنسا هو درس في المقاومة الشعبية يقابله انتصار الدولة للقانون يجعل الفرنسيين أوفياء لتقاليدهم التي فرضت على العالم احتراهم، لكن علينا أن لا ننسى بأن قوة ورفاه بلد الأنوار تأسست في جزء منها على استغلالنا وتفقيرنا وأن القادم لن يكون مختلفا إن نحن اكتفينا بمتابعة ملاحم “السترات الصفراء”. فنحن لا نتقاضى تعويضات البطالة ولا يرتاد أبناؤنا مدارس ومستشفيات فرنسا حتى نهتم بهناك وننسى هنا.