الرئسيةرأي/ كرونيكميديا و أونلاين

اختارت الرباط ألا تتعاطى بأسلوب انفعالي..صحافي تونسي يكتب: ما الرسالة التي حملتها تفجيرات السمارة؟

نزار بولحية كاتب وصحافي تونسي
بقلم نزار بولحية كاتب وصحافي من تونس

لا يفصح المغاربة اليوم عما ينتوون فعله غدا في نزاع الصحراء، وفي الوقت الذي لا يزال فيه الملف مفتوحا يبدو الأمر مفهوما. أنهم مطمئنون إلى أن الوقت في صفهم. ولأجل ذلك لم يجزموا بعد في ما إذا كانت الانفجارات التي حصلت في منطقة السمارة ليل السبت الماضي، وأودت بحياة شخص، وتسببت في جرح ثلاثة آخرين، حسب المصادر الرسمية هي عمل إرهابي، أم حادث عرضي، أم عدوان عسكري رغم أنهم قد يكونون على اطلاع تام على حقيقة ما جرى.

على أن ذلك لا يعني أن قوات «المينورسو» التي كانت موجودة هناك ورصدت آثار تلك الانفجارات، لم تشر في تقريرها الذي رفعته إلى الأمين العام للأمم المتحدة إلى الجهة التي ترجح أنها المسؤولة عن ذلك. كما أنه لا يعني أيضا أن الرباط ستطوي الصفحة نهائيا، ولن تحتفظ لنفسها بحق الرد «في الوقت والمكان المناسبين»، مثلما تقول العبارة المعروفة. والسؤال هنا هو ما الطريقة التي ستنتهجها وكيف سيكون ردها؟ وهل يمكن أن يأتي مثلا على شكل عمل نوعي يشبه إلى حد كبير ما حدث قبل سنوات في الكركرات، ويسمح لها هذه المرة بتحقيق السيطرة الميدانية التامة على ما تعرف بالمنطقة العازلة في الصحراء، التي يصفها البوليساريو بالأراضي المحررة، ويجعل المدن والبلدات الصحراوية بالتالي في مأمن تام من مواجهة أي سيناريوهات مشابهة لما جرى في السمارة؟

اختارت الرباط ألا تتعاطى بأسلوب انفعالي وتتجنب السقوط في فخ الاستفزازات، وتأخذ بعين الاعتبار أكثر من معطى داخلي وخارجي في تعاملها مع مجريات النزاع الصحراوي

لا شك في أن الرباط تعرف جيدا أن مثل ذلك الأمر قد يحتاج إلى بعض الترتيبات، وأنه يكتسي قدرا كبيرا من المجازفة، وقد يدفع الجزائر للانخراط بشكل مباشر في الحرب، ولذلك كله فهي لا تبدو في عجلة من أمرها للإقدام على تنفيذه في الوقت الراهن على الأقل، من دون أن يعني ذلك أنها قد أسقطته تماما من حساباتها.

لقد اختارت أن لا تتعاطى بأسلوب انفعالي وأن تتجنب السقوط في فخ الاستفزازات، وأن تأخذ بعين الاعتبار أكثر من معطى داخلي وخارجي في تعاملها مع مجريات النزاع. ولعل الملاحظة الأولى هنا هي أن البيان الذي قرأه كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي في اليوم الموالي للانفجارات، وذكر أن الدرك الملكي المغربي قال فيه إنه «في إطار التحقيقات التي توصلت إليها مصالح الدرك الملكي والأمن والقوات المسلحة الملكية برفقة عناصر من بعثة الأمم المتحدة في مدينة السمارة جنوب المملكة، على وقع ثلاثة انفجارات متفرقة عرفتها المدينة الليلة على الساعة 0.00 ليلا ما خلق حالة من الرعب والهلع في الساكنة، وبعد التحقيقات الأولية تبين أن سبب الانفجارات هو قيام قوات البوليساريو بإطلاق ثلاثة صواريخ من نوع «أم بي غراد» روسية الصنع في منطقة تيفاريتي شرق الجدار الدفاعي صوب مدينة السمارة…»، تبين في الأخير أنه «محض افتراء وغير حقيقي بأي حال من الأحوال» وفق ما أكدته وكالة الأنباء المغربية.

وبالنسبة إلى جبهة البوليساريو، التي لا تزال تعتبر نفسها في حالة حرب مع المغرب، فإنه ليس معروفا بعد ما الذي يمكن أن يعنيه لها مثل ذلك النفي، وهل أنها كانت تتوقعه، أم أنها انتظرت وعلى العكس أن توجه لها أصابع الاتهام بالضلوع في تلك العملية.

وعلى أي حال فالسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو ألا يؤول بالضرورة الآن أي حادث عرضي، أو مخطط له قد يقع داخل أي مكان في الصحراء على أنه محاولة للتشويش والإرباك، وصرف الأنظار عما يجري في غزة؟ ولعل أنصار البوليساريو قد يردون بأنه من الإجحاف حقا أن يقال ذلك.

ولعلهم قد يزيدون ويقولون إن الجبهة تخوض ومنذ سنوات حربا طويلة النفس مع المغرب، لم يعلن عن انتهائها بعد، وقد يتساءلون بعدها عما ينبغي عليها في تلك الحالة فعله حتى لا تلصق بها مثل تلك الاتهامات، وهل أنه بات مطلوبا منها كما قد يضيفون أن تتوقف اليوم تماما عن أي نشاط، وأن تعلن عن هدنة مفتوحة إلى حين انتهاء الحرب في غزة؟ وكأنه لا يكفيها أنها ما زالت تنتظر ولأكثر من أربعة عقود حلا مستعصيا لواحد من أقدم وأعقد النزاعات في القارة الافريقية؟

لكن أليس من المريب حقا أن يخرق الهدوء والسكون الذي لطالما ساد المنطقة في الشهور الأخيرة على الأقل في هذا الظرف بالذات، رغم كل ما حصل في فترات سابقة من تصعيد وارتفاع حدة اللهجة بين المغرب والجزائر، وحتى قرع لطبول حرب ظلت تطل دائما برأسها بين الحين والآخر؟

رسميا وخلافا لما أوردته عدة مواقع إخبارية مقربة منها لم تعلن الجبهة التي تنازع المغرب على الصحراء حتى الآن وبشكل مباشر عن تبنيها لما جرى في السمارة.

وبغض النظر عما إذا كانت هي من تقف وراءه، كما يرجح كثيرون، أم أن هناك طرفا ثانيا دخل على الخط سعيا إلى تحقيق أهداف وغايات أخرى بعيدة كل البعد عن النزاع الصحراوي، فالمؤكد في الحالتين هو أن اختيار التوقيت لم يكن بريئا بالمرة.

فالعالم كله مشغول ومشدود بقوة لما يجري في غزة من مجازر وفظاعات، وعمليات قصف وتدمير وإبادة جماعية. وهذا ما يجعل معظم التأويلات حول ما حدث في البلدة الجنوبية المغربية تصب رأسا في اتجاه واحد وهو، البحث عن صرف الأنظار عن المجازر المرتكبة في حق أهل القطاع، ولو بتحويل جزء من التركيز والاهتمام العالمي على الأقل نحو نزاع الصحراء.

والمعطى الذي لا يمكن إنكاره هو أن البوليساريو ومنذ إعلانه، ومن جانب واحد وقبل ثلاث سنوات عن إنهاء وقف إطلاق النار واستئناف الحرب مع المغرب فإنه أصدر تسعمئة بلاغ عسكري كانت تتحدث كلها عن استهداف ما تطلق عليه «جيش التحرير الصحراوي الشعبي» لما تصفها بمواقع العدو المغربي.

ومع ذلك فإن ما حدث في السمارة من قصف لدور سكنية كان العمل الوحيد من بين كل العمليات التي تحدثت عنها تلك البلاغات، الذي أمكن التحقق من حدوثه.

وهذا ما يطرح عدة نقاط استفهام. فلماذا اختار البوليساريو أن يتحرك على النحو الذي فعله في هذا التوقيت بالذات، أي في أوج الحرب على غزة وعشية عرض الملف الصحراوي على مجلس الأمن وتجديد عمل بعثة المينورسو؟

هل لأنه أراد استفزاز المغرب وتوقع أن يقوم المغاربة مثلا بعملية واسعة وراء الجدار الأمني الذي شيدوه في الصحراء، مما قد يشعل شرارة مواجهة أكبر، ربما بين القوات المغربية والقوات الجزائرية؟ أم أن طرفا آخر هو من دفع عناصر الجبهة للقيام بتلك العملية حتى يشعر الرباط بأن عليها الاهتمام بوحدتها الترابية بدلا من الالتفات لما يجري في غزة، وأن عليها ليس فقط أن تحافظ على علاقاتها مع تل أبيب، بل أن تعول عليها للدفع قدما بالملف الصحراوي نحو الحل الذي تقترحه؟ هناك أكثر من رسالة مشفرة. يبقى كيف ستقرأ في الرباط؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى