الرئسيةرأي/ كرونيكشواهد على التاريخ

رغم الحرب والعدوان والقتل والحصار إلا أننا نفكر فيه..يــاســر عــرفــات بيننا+صور وفيديو

بقلم الكاتب الفلسطيني عاطف أبو سيف

رغم الحرب والعدوان والقتل والحصار إلا أننا نفكر بياسر عرفات.

لا يمكن أن تمر ذكراه دون وقفات طويلة أمام تلك الحكاية الطويلة من الكفاح والقتال حتى الرمق الأخير من أجل الحرية والخلاص.

ياسر عرفات لم يكن مجرد رئيس ولا زعيم ولا أب ولم يكن مجرد فدائي وطني ونموذج أممي نادر بل كان أيضاً جزءا من نسيج شعبه وفصلاً من فصول حكايته وكان جوهر الحكاية ذاتها.

الآن ونحن في أتون الحرب والقذائف تتساقط في اتجاهات عدة وصوتها يثير الرعب في وضع طبيعي لولا أننا اعتدنا عليها وأخبار حصار المستشفيات وتدمير مولدات الطاقة فيها، الآن ونحن لا نعرف إذا ما كنا سنعيش ليوم غد أم لا، نفكر في الرجل الذي كبرنا معه وولدنا ونحن نسمع اسمه وكبر معنا شعورنا بالوطن كلما رأينا صورته في الصحف أو في نشرات الأخبار.

الآن نجلس في المخيم حيث لا نملك شيئاً عن مستقبلنا إلا أننا الآن موجودون ولا شيء آخر نستذكر الرجل الذي عرفنا أنفسنا منه وعرفنا كيف نكون فلسطينيين منه، وعرفنا أننا باقون رغم كل القهر والظلم والقتل الذي نتعرض له، وعرفنا أننا سنظل في البلاد لأن لا نكبة أخرى ولا فناء يمكن أن نقبل به ولن نقبل.

كنا خمسة شباب في أعمار متقاربة وكانت ذكرى ياسر عرفات حديثنا الشاغل غير آبهين بصوت الحزام الناري المتواصل في مكان قريب.

ربما عرّج أحدنا على ذكر ما يرده من رسائل نصية عن الحزام الناري قرب مستشفى العودة في منطقة تل الزعتر. ثم نواصل حديثنا وذكرياتنا عن أبو عمار.

كل واحد منا يمكن أن يزعم أنه يعرفه وأن له علاقة خاصة به، وهذا ليس جديداً فكل فلسطيني يمكن له أن يسرد حكاية شخصية عن ياسر عرفات يكون بطلها بطاقة الهوية التي شكلها الراحل في حياتنا.

كل فلسطيني يمكن أن يظن أن عرفات هو صديقه وحده دون غيره وهو كان يبرع في إعطاء كل ما يقابله بهذا الإحساس أنه «ياسره» وحده وأنه صديقه وحده.

أخذنا نتبادل الحكايات والقصص والمشاهد وكلنا ينتابنا نفس الإحساس ونفس الشعور ونحن نأتي بكل هذا الحنين من بعيد إلى زمن يغرقنا فيه الدم وتقتلنا فيه الطائرات وتجهز علينا الصواريخ.

لا نعرف حين نستيقظ يوم غد من سيكون منا ما زال على قيد الحياة ومن منا سيسرقه الموت. لكننا نعرف أن حكاية ياسر عرفات مع ذلك ستظل ولن تزول وأننا سنواصل في كل مرة يأتي اليوم الحادي عشر من الشهر الحادي عشر استذكار كل تلك الأيام الجميلة التي كنا فيها نعيش في زمن ياسر عرفات، نتنفس الهواء ذاته الذي كان يتنفسه ونستجمع الشجاعة التي كان يوزع علينا كلما شعر أن ثمة وهناً بدأ يصيب عزيمتنا ويضرب في قوتنا ويفتّ في عضدنا.

الآن نحن أيضاً بحاجة لكل تلك الكلمات التي كان يقولها وهو يصرخ «يا شعبي» وينادي «يا ربعي ويا عشيرتي».
نحن عشيرة ياسر عرفات ونحن القبيلة الكبيرة التي كان هو شيخها والشعب الذي بقي رغم آلام النكبة ومآسي النكسة ورغم حروب إسرائيل المتواصلة لإفنائنا.

نحن شعب ياسر عرفات الذي نهض من رماد النكبة مثل الفينيق وصعد نحو قمة الجبل حاملاً الجمرة ملتهبة حتى تظل الطريق مضيئة وتظل الراية مرفوعة.

الآن نحتاج أن نسمع صوته مرة أخرى وهو يقول إننا سنبقى ولن نفنى وأنهم، أي الأعداء، واهمون إذا ظنوا أننا سنستسلم بل سنظل وسنبقى على الأرض فلا مكان آخر لنا غير فلسطين ولا نريد لها بديلاً.

كان عرفات يقول إن حجراً من فلسطين يساوي الأرض وما عليها. وكان يقول إن شبلاً من أشبال فلسطين وزهرة من زهراتها سيرفع علم فلسطين عالياً فوق مساجد القدس وكنائسها. وكان يقول إن الدولة على مرمى حجر. وكان يقول عنا «شعب الجبارين» وبات ذلك دافعاً حتى نقاتل ببسالة أكثر وحتى نصمد أكثر. وكان يصنع منا أسطورة في كل كلمة يقولها. فالجبل لا تهزه الريح ونحن الجبل وكل أعدائنا ريح زائلة.

كان يصنع من كل حدث في حياتنا فصلاً من ملحمة كبيرة وكان يدرك أننا يجب أن نبقى ليس لأن لا خيار آخر لنا ولكن لأن لا خيار آخر لأعدائنا إلا أن يزيلونا ولن يقدروا.

طفلتي يافا في الحرب الماضية العام 2014 لم تكن قد بلغت السنتين بعد حين رأت ياسر عرفات على شاشة التلفاز أشارت له وصاحت «عمار».

لا يمكن لي أن أفكر في طريقة يمكن أن تكون تلقت فيها هذه المعلومة الرابطة بين الصورة والاسم وهي بالكاد تلفظ اسمها واسم والديها، إلا التفكير حقاً في أن عرفات جزء من جيناتنا الوراثية وأنا في كل واحد منا جزء من ياسر عرفات، إنه الجزء الأشمل والأكثر دقة والمتعلق بهويتنا الوطنية، ليس لأن عرفات أحد صناعها وليس لأنه حمل لواءها ولكن لأنه دون تفسير أحد أسماء فلسطين وأحد صفاتها.

سنظل نشتاق إليه ونتذكره ونفكر فيه في كل الظروف حتى حين نعود للبلاد ونعيد ترتيب أحلامنا على رفوف البيوت التي تنتظر، سنعلق صورته في صدر البيت، ونهمس له كل صباح: هذا شعبك وهذا حلمك.

المصدر: الأيام الفلسطينية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى