الرئسيةرأي/ كرونيك

هل تملك وسائل أخرى غير العبارات الدبلوماسية..صحافي تونسي يكتب: ما الذي تستطيع الجزائر فعله لفلسطين؟

هل تملك وسائل أخرى غير العبارات الدبلوماسية تشد بها أزر الفلسطينيين؟ بالطبع نعم، لكن هل بوسع الجزائر الآن أن تستخدمها؟ قد لا يبدو ذلك مؤكدا بعد. ولعل هناك من سيحاجج في البداية حول التركيز على هذه الدولة المغاربية بالذات، دون باقي الدول المغاربية والعربية. وقد يقول ولما لا يطرح مثل هذا الأمر على مستوى جماعي أوسع، أو في الحد الأدنى على الأقل، في ارتباط مباشر بما تعرف بدول الطوق؟

نزار بولحية كاتب وصحافي تونسي
بقلم نزار بولحية كاتب وصحافي من تونس

لكن ألا يتزعم الجزائريون ومنذ السابع من أكتوبر ما يبدو نوعا من جبهة رفض للقرارات والإجراءات العربية ذات الصلة بالعدوان الأخير على غزة؟ ألا يرفعون أصواتهم عاليا وبقوة للمطالبة بأكثر من كلمات الإدانة والاستنكار والاقتصار على تحميل مسؤولية ما يجري من جرائم وانتهاكات وفظاعات إلى شبح أو مجموعة أشباح تدعى بالمجتمع الدولي، في الوقت الذي يملكون فيه، ورغم البعد الجغرافي أوراقا وازنة ومهمة قد تفيد في الضغط على الدول الغربية، التي تدعم العدوان من أجل دفع الإسرائيليين لوقفه؟

الجزائريون يملكون رغم البعد الجغرافي، أوراقا وازنة ومهمة قد تفيد في الضغط على الدول الغربية، التي تدعم العدوان من أجل دفع الإسرائيليين لوقف عدوانهم

من المؤكد أن الجميع يعلم اليوم أن الدول العربية القريبة من غزة، باتت تتحسب اليوم وأكثر من أي وقت لإمكانية أن يطول أمد الحرب، ويتوسع نطاقها وتمتد نيرانها بالتالي لتطال عقر ديارهم. ولأجل ذلك فإن جهودها تتركز على الحد منها وتطويقها وحصرها داخل مربع القطاع، أكثر من العمل فعليا لأجل وقفها، ووضع حد نهائي لها، لكن ماذا عن باقي الدول العربية البعيدة نسبيا عن تلك المحرقة؟ هل أن عليها إن هي امتنعت عن الصمت أن تكتفي بالتنديد والتعاطف فحسب؟ أم أن أمامها واجبات أثقل؟

وهنا وحتى نعود إلى الجزائر هل إن أقصى ما تملكه هو أن تقوم بإرسال «مساعدات إنسانية مهمة واستعجالية» إلى مطار العريش المصري، مثلما ذكر بيان صدر الشهر الماضي عن الرئاسة الجزائرية على أمل انفراج الأوضاع والسماح بدخول تلك الشحنات إلى قطاع غزة، ثم تستمر بعدها في دعم السلطة الفلسطينية دبلوماسيا والوقوف معها في المحافل والهيئات الأممية، أو تطلق الدعوات والمناشدات، كما فعل الرئيس عبد المجيد تبون الاثنين قبل الماضي إلى «جميع أحرار العالم وخبراء القانون العرب والمنظمات والهيئات الحقوقية لرفع دعاوى قضائية أمام محكمة الجنايات الدولية والمنظمات الدولية لحقوق الانسان ضد الكيان الإسرائيلي لإنهاء عقود من الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين»، على حد تعبيره، أم أن من رفعوا قبل عدة عقود ذلك الشعار الشهير والخالد «مع فلسطين ظالمة أو مظلومة» يملكون من القدرات والإمكانات ما يجعلهم مؤهلين للقيام بدور أكبر وأكثر تأثيرا من مجرد جمع وإرسال المساعدات، وإطلاق الدعوات على ما تكتسيه من أهمية بالغة وقيمة معنوية وأخلاقية بالدرجة الأولى؟ ل

قد لاحظ الكل وبلا شك كيف تعمد الرئيس الجزائري الغياب عن القمة العربية الإسلامية الطارئة التي عقدت السبت الماضي في الرياض وكان مدارها البحث في سبل وقف العدوان الإسرائيلي على غزة. ورأى كثيرون أن اقتصار التمثيل الجزائري في تلك القمة على السفير المعتمد في العاصمة المصرية، كان أوضح دليل على أن بلاده لم تكن راضية على الإطلاق على نتائجها ومخرجاتها، لكن هل سيتوقف الجزائريون عند ذلك الحد؟ أم أنهم سيسمحون لأنفسهم هذه المرة بالخروج قليلا عن القواعد القديمة والمألوفة للنظام العربي الرسمي في تعاطيه مع القضية الفلسطينية.

بغض النظر عما إذا كان بمقدورهم أن يصعّدوا بعد تحفظاتهم على القرار العربي الأخير، ويقوموا مثلا بالتهديد بالانسحاب من الجامعة العربية، أو حتى تعليق العضوية فيها احتجاجا على ما قد يرونه موقفا ضعيفا ومتخاذلا ومخيبا للآمال من جانب دولها، فإن السؤال المحوري الذي يطرح نفسه بحدة هو، إن كانوا قد عجزوا عن تمرير أفكارهم ومقترحاتهم، ولم يستطيعوا ولعدة اعتبارات أن يقنعوا بها جزءا مؤثرا وفاعلا من الدول الأعضاء في الجامعة، ولم تعتمد بالتالي في نص البيان الختامي للقمة الأخيرة، فهل إنهم سيكونون قادرين على التحرك خارج ذلك الإطار الإقليمي المشقق والمنقسم، إما بشكل منفرد أو ضمن كتل وتحالفات أخرى بديلة، نصرة للفلسطينيين المحاصرين في غزة منذ أكثر من شهر، والذين لا يزالون يتعرضون وتحت سمع ونظر العالم كله لأبشع وأشنع المجازر وجرائم الإبادة؟

إن جانبا من تصورهم لما كان ينبغي على الدول العربية إقراره للرد على تلك الجرائم قد يكون منطلقا مناسبا للتفكير في ما يمكنهم فعله.

وما نقلته إحدى برقيات وكالة رويترز قبل أيام هو أنهم كانوا يرغبون مع بعض الدول العربية الأخرى في الدعوة إلى قطع جميع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي، ومنع استخدام القواعد العسكرية الامريكية وغيرها في الدول العربية لتزويد «إسرائيل» بالسلاح والذخائر، وكانوا أيضا يريدون من القمة أن تلوح باستخدام سلاح النفط والمقدرات الاقتصادية العربية للضغط من أجل وقف العدوان ومنع الطيران المدني الإسرائيلي من الطيران في الأجواء العربية، وإذا كانت مسألة قطع أو بقاء العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع الإسرائيليين ليست بأيديهم، وليست واردة أو مطروحة بالنسبة لهم، فإن التلويح باستخدام سلاح النفط والغاز للضغط على الاحتلال، وعلى الدول الغربية التي تقف معه قد يكون المدار الحقيقي لاي تحرك جاد قد يقدمون عليه.

لكن هل يمكنهم حقا أن يتحملوا تبعات قرار من ذلك النوع قد تكون له تداعيات وانعكاسات واضحة على اقتصادهم، الذي يعتمد وبنسبة كبيرة على المداخيل والعوائد النفطية والغازية؟ وهل يمكنهم أن يجازفوا بالقيام بتلك الخطوة حتى لو لم تقدم الدول البترولية على اتخاذ موقف جماعي شبيه بما فعلته مثلا في حرب 1973؟

لا شك في أن الأمر يبدو معقدا ولن يكون من السهل عليهم أن يخاطروا بعلاقاتهم مع الدول الغربية، لكن ألا يملكون وسيلة أخرى غير النفط والغاز؟ لقد قالت صحيفة «أل كونفيدونسيال» الإسبانية مطلع الشهر الجاري، إن الجزائر ستعين قريبا سفيرا جديدا لها بمدريد، بعد أن سحبت في وقت سابق سفيرها احتجاجا على الاعتراف الإسباني بمغربية الصحراء.

ووفقا لما ذكره لها مصدر جزائري رسمي لم تكشف عن اسمه، فإن «خطاب سانشيز الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة شجع على إرسال السفير الجزائري إلى مدريد» وهو ما يشير بالنسبة إلى البعض إلى موقف رئيس الوزراء الإسباني المؤيد لإقامة الدولة الفلسطينية.

والسؤال هنا إن كانت الجزائر ستجازي الإسبان على موقفهم مما يجري في غزة، فلم لا تظهر أيضا امتعاضها وغضبها من باقي الأوروبيين والأمريكيين الذين يعلنون صراحة دعمهم لما يقوم به الاسرائيليون من عمليات قتل وابادة؟ ألم يحن الوقت حتى لا تكتفي بمطالبة الدول العربية بقطع علاقاتها مع الإسرائيليين وهو الآن أضعف الإيمان وتبادر للتلويح بتجميد وقطع علاقاتها مع من يباركون جرائمهم في غزة؟ إن العرب يترقبون الكثير من بلد المليون ونصف المليون شهيد مهما كانت صعوبة الظرف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى