ثقافة وفنون

طوفان «الإيموجي» يجتاح العالم.. الرموز التعبيرية «لغة» جديدة للتواصل بين البشر

إذا قابلت شخصًا ما لا يفهم لغتك فستبادر بتحريك اليدين والجسد لتوصيل مُرادك عن طريق لغة أشبه بلغة الإشارة، لكن إن كان الحديث رقميًا فالبديل أمامك أن تستخدم لغة الإشارة الإلكترونية وهي الرموز التعبيرية. إذا رأيت قلبًا في صندوق الوارد الخاص بك، فحتمًا سيكون تفسيره لديك أن هذا تعبير عن الحُب – بغض النظر عن المُرسِل -، وهذا هو الهدف من الرموز التعبيرية (الإيموجي)، فهي توصل المعنى المراد بدون كتابة حرف واحد.

يستخدم حوالي 92% من روّاد الإنترنت الرموز التعبيرية في مراسلاتهم اليومية وهذا ما أهلها إلى أن تكون لغة عالمية يفهمها الجميع باختلاف الثقافات واللغات. ويحتفل العالم كل عام يوم 17 يوليو (تموز) باليوم العالمي للرموز التعبيرية، فما هي الرموز التعبيرية؟ ولماذا أصبحت لغة يستخدمها الملايين؟

الرمز التعبيري (إيموجي-emoji) مصطلح ياباني مكوّن من كلمتين الأولى «e» وتعني صورة والثانية «moji» وتعني رمزًا، ورغم وجود هذه الرموز منذ قديم الأزل، فنجدها على الآثار القديمة للفراعنة حينما أرادوا توصيل التراث إلى أسلافهم من خلال رموز من الطيور والحيوانات التي تحمل بين طياتها معانيَ لغوية، إلا أن أول الرموز التعبيرية الرقمية التي نتداولها الآن ظهرت للمرة الأولى عام 1998.

متى ظهرت الرموز التعبيرية؟
قبل ظهور الرموز التعبيرية التي نستخدمها الآن، استُخدمت تعبيرات الوجه مع علامات الترقيم. في عام 1982، كان من الصعب التفريق بين النكات والمشاركات الجادة في لوحة الرسائل الرقمية لجامعة كارنيجي ميلون، وتوصَّل عضو هيئة التدريس (سكوت فاهلمان) إلى حل بسيط لذلك، فاستخدم الرمز « ???? » دلالة على مشاركات الدعابة وأضاف الرمز « ???? » لتحديد الكلام الجاد، وهذا أصل الرموز التعبيرية الموجودة حاليًا.

ومع انتشار أجهزة النداء الآلي «Pagers» في اليابان أواخر التسعينيات، انتشر استخدام الرسائل النصية القصيرة، ومن ضمن خدمات الجهاز إرسال رموز تعبيرية تحمل في مضمونها معنى عند وصولها إلى مُستقبِل الرسالة. في هذه الفترة، كان الياباني شيجيتاكا كوريتا جزءًا من فريق لديه مهمة محددة وهي إنشاء منصة إنترنت للهواتف المحمولة، وأنشأ كوريتا خلال المهمة 176 رمزًا تعبيريًا ذوات معانٍ مختلفة. لاقت هذه الرموز رواجًا كبيرًا بين اليابانيين لما لها من توفيرٍ للوقت والجهد في الكتابة وزيادة سرعة الردود أثناء المراسلة.

في عام 2007، طالب فريق من مهندسي البرمجيات في شركة «جوجل» بدمج الرموز التعبيرية إلى قائمة الأشكال والحروف المدمجة ضمن نظام «اليونيكود». وبالفعل ضُمّنت الرموز التعبيرية لتستطيع الظهور على جميع المنصات بدون أي مشكلة. وبالفعل كان عام2010 عام التوحيد الكامل لها على جميع الشركات، بحيث تستطيع الشركات تصميم الرموز التعبيرية التي تناسبها لكن تحت رمز كودي واحد، أي يظل الكود ثابتًا مهما تغير شكله، وكان الترميز الموحد «اليونيكود» الوسيلة الأولى التي أضفت الشرعية إلى استخدام الرموز التعبيرية في التواصل.

لم يكن توحيد أكواد الرموز التعبيرية دليلًا على الظهور الموحد في الشكل على جميع المنصات، وإنما التوحيد كان لتعميم فهمه لأنظمة الحاسب والهواتف الذكية وجميع الأجهزة التي تظهر عليها، فمثلًا هناك كود معين لرمز الابتسامة تتعرف عليه جميع الأنظمة الإلكترونية لكن قد تختلف صورة رمز الابتسامة في أنظمة آبل مثلًا عنها في أندرويد. حيث تقوم كل منصة على حدة بإصدار رموزها التعبيرية الخاصة وبألوانها التي تناسبها لتمييز المنصة عن غيرها.

ما هي أشهر الرموز التعبيرية؟
أعلن قاموس أكسفورد عام 2015 عن كلمة العام وهي «Face with Tears of Joy» التي تعني «الوجه ذو دموع الفرح» كأفضل كلمة تعكس الشعور هذا العام، كما أعلنت شركة «آبل» العام الماضي عن حصوله على أعلى نسبة استخدام من بين الرموز التعبيرية جميعها والتي وصل عددها حتى الآن إلى 2666 رمزًا وذلك ما أعلنه موقع فيسبوك وإذا أردت معرفة نسبة استخدام الرموز التعبيرية المفضلة لديك حاليًا فموقع متتبع الرموز التعبيرية سيعرض لك عدد مرات تكرار كل رمز تعبيري على حدة طبقًا لاستخدامه في منصة تويتر.

أشهر الرموز التعبيرية المُستخدمة – المصدر: موقع فليكر flickr
جاء الرمز التعبيري «الوجه المبتسم ذو عيون القلب» في المركز الثاني ضمن قائمة أكثر الرموز التعبيرية استخدامًا، ثم بعده رمز «القلب الأحمر» ثم «الوجه المبتسم» ثم رمز «الوجه المبتسم ذو النظارات الشمسية»، أما عن أكثر خمسة رموز تعبيرية مُستخدمة من رموز الحيوانات والنباتات فهي بالترتيب رمز الكلب، رمز النحلة، رمز زهرة الكرز ثم القطة وأخيرًا رمز النخلة. أما بالنسبة للأطعمة والمشروبات فكانت الرموز الخمسة الأكثر انتشارًا هي رمز القهوة، والبيتزا، وكأس النبيذ، وشطيرة البرجر وأخيرًا الآيس كريم.

وقد قامت مؤسسة براند ووتش «Brandwatch» بتحليل بيانات موقع تويتر في الفترة ما بين سبتمبر (أيلول) 2015 إلى سبتمبر 2017 وذلك بدراسة ما يقرب من 6 مليارات رمز تعبيري استُخدم على مدار العامين الماضيين، وتبين أن النساء لديهن قابلية لاستخدام الرموز التعبيرية أكثر من الرجال، وكانت المملكة المتحدة هي أكثر دول العالم استخدامًا للرموز التعبيرية السلبية.

وفي دراسة أجريت عام 2016 حول التأثير النفسي للرموز التعبيرية، وُجد أن المتحدثين بالفرنسية هم الأكثر استخدامًا لرمز القلب في مراسلاتهم الإلكترونية، كما أن اللغة الفرنسية هي اللغة الوحيدة التي لا يأتي رمز الابتسامة في مقدمة قائمة أكثر الرموز التعبيرية استخدامًا كما في اللغات الأخرى، واستخدم العرب أربعة أضعاف متوسط استخدام رموز الزهور والنباتات، وكذلك استخدم الروس ثلاثة أضعاف متوسط استخدام الرموز التعبيرية الرومانسية. استخدم 80% من الأشخاص المشمولين بهذه الدراسة الرموز التعبيرية عند إرسالهم رسائل نصية من بينهم 76% على منصة فيسبوك و15% عبر البريد الإلكتروني.

لماذا تُستخدم الرموز التعبيرية بكثرة؟
في إحصائية لمدى انتشار الرموز التعبيرية على موقع فيسبوك اتضح أنه يتم إرسال ما يقرب من 5 مليارات رمز تعبيري يوميًا عبر تطبيق «فيسبوك ماسنجر»، كما يتم التعليق بما يقرب من 60 مليون رمز تعبيري على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، فلماذا تُستخدم هذه الرموز بكثرة؟

1- تزيد من شعبيتك عبر شبكات التواصل
عند متابعتك لأي شخصية مشهورة عبر شبكات التواصل ستجده مدمنًا على استخدام الرموز التعبيرية، لما لها من تأثير قوي على درجة تواصله بالمتابعين ومدى قربه من وسيلة تواصلهم الأشهر وهي الرموز التعبيرية. فمعرفة أكبر كمية من الرموز تتيح لك الفرصة في تواصل أكبر.

2- نقل الشعور بواقعية تامة
إذا كنت تريد التفاعل مع المتابعين والجماهير الاجتماعية عبر شبكات التواصل وتوصيل نفس الشعور الذي تشعر به، إذن الرموز التعبيرية هي أقرب الطرق لتوصيل هذه المعلومة، فنشرك للرموز التعبيرية الباسمة يختلف بالطبع عن نشرك للوجوه الغاضبة ولكل رمز شعور توحي به إلى متابعيك وكأنهم ينظرون إليك حقيقة.

3- أحيانًا تعجز الكلمات عن الوصف
عادة ما تجد لسانك عاجزًا عن النطق بالكلمات أو وصف شعورك الحالي أثناء حديث إلكتروني مع أحد الأصدقاء وعندها يتحول أغلب تفكيرك إلى استخدام الرمز التعبيري الأقرب إلى حالتك، كما أنها قد تؤكد على المقصد الجاد أو المازح لحديثك، فمثلًا جرّب إرسال رسالة ما بدون رموز تعبيرية لأحد أصدقائك ستجده حائرًا في تفسير مقصدك.

4- بناء بيئة عمل سعيدة
تقديم ردود الفعل السلبية على الأداء أمر لا مفر منه في مقر العمل، وعادة ما يواجه المُستلم شعورًا بالحرج ويبدأ في التصرف بشكل اندفاعي ولذلك تهتم مؤسسات العمل الواعية باستخدام طرق إبداعية في الملاحظات، وهنا يُمكن استخدام الرموز التعبيرية بشكل ما لتخفيف حدة الكلام وتوصيل الملاحظات بصورة مقبولة، مما يساعد على تخفيف ردود الفعل الهجومية.

لنضرب مثالًا، إذا استقبل بريدك الإلكتروني رسالتين من موظفين عاملين لديك، وكانت إحداهما تحمل بين طياتها رموزًا تعبيرية وأخرى لا تحمل أي رمز على هذه الصورة:

– الرسالة الأولى

«لن أستطيع حضور اجتماع اليوم لأنه يتعارض مع بعض المواعيد لدي، راسلني بما فاتني من الاجتماع».

– الرسالة الثانية

«لن أستطيع حضور اجتماع اليوم ???? ، لأنه يتعارض مع بعض المواعيد لدي، راسلني بما فاتني من الاجتماع ???? ».

بالطبع ستجد عند قراءتك للرسالة الأولى شعورًا بالسلبية لكن مع قراءتك للرسالة الثانية ستقل السلبية قليلًا لاستخدامه الرموز التعبيرية في توصيل الرسالة. إذا كنت أحد مُستخدمي شبكات التواصل الاجتماعية ، فحتمًا أنت تستخدم يوميًا عشرات الرموز التعبيرية في حديثك مع الأصدقاء، فأي الرموز التعبيرية تفضل استخدامه؟ وكيف ترى مُستقبل التواصل الاجتماعي الافتراضي بين البشر؟
المصدر: الموقع الإعلامي ساسة بوست
الكاتب:محمد بن عمر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى