بن موسى كاميكاز في زمن تربوي كالرمال المتحركة
حذرت بن موسى حين تحمل حقيبة التعليم…
حذرته… أن الداخلية قطاع أقل تعقدا وفسادا من التعليم…
وقلت له أن التعليم قطاع مفخخ وداؤه سرطاني… ومنه وفيه الداء…
كنت صادقا لأني أمضيت عمري في القطاع…
وخرجت منه بكرامتي بعد رحلة شاقة ومضنية بين عالم قروي مهمش و مخفي البؤس…
فشربت بؤس الثمانينيات…
عالم بلا كهرباء ولا سكن ولا حتى مرافق صحية…
سكنى من تراب لا تصد الريح والمطر….
شربت وتشربت كل البؤس الذي كنت أراه في عيون أطفال مرضى منهكين… حفاة… مقهورين…
وانا القادم من الدار البيضاء…
نفيت إلى عالم لا أنتمي إليه وهو للأسف جزء من وطني…
عالم لا سبيل للوصول إليه غير المشي على الأقدام في الفيافي…
والموت واقفا…
نفيت… بينما المحظوظون ظلوا في المدن والحواضر…
الريع والفساد والمحسوبية الحزبية والنقابية والرشوى كانت السبيل إلى البقاء حيث أنت…
أما نحن أبناء الشعب الذين لا واسطة لهم ولا يد نافذة تم نفينا ليطبق باسمنا تعميم التعليم… وكنا في الحقيقة لا نعمم غير بؤسنا ويأسنا وضعف حيلتنا..
هكذا أديت مع جيل من دفعتي ضريبة الفساد في التعليم…
فساد طحننا…
منا من انتحر…
ومنا من جن…
ومنا من خرج بأمراض نفسية مزمنة… وأنا واحد منهم…
وكلنا من هذا الجيل المرهق تحملنا سلطة ضاغطة أخرى لبعض المفتشين والمديرين.. الذين زادونا رهقا…
هذا مشهد مختصر للمعلم الذي كنت قبل أن أشيخ بجسد متعدد الأعطاب…
بعقل يلامس الجنون…
لهذا حينما وجهت خطابي لبن موسى… كنت صادقا…
فالمزيفون… كالفطر في وزارتك…
وبعض الشركاء مجرد سماسرة ومنافقين وكذابين وينكثون يالعهود..
حذرتك… لأن قطاع التعليم قطاع ينخره الفساد…
وتتحكم في دواليبه شبكة من العلاقات المعقدة…
لعمري لن تعرف من الحليف ومن الخصم….
لعمري… إن القضية أكبر من حوار وشراكة مزيفة….
كنت أخاف عليك… لأن حسن نواياك… قد تسقطك في كمائن المقنعين…
وهم موجودون حيث وليت وجهك….
سأكرر ندائي إليك…
حليفك الحقيقي هم رجال ونساء التعليم…
لا غير…
لا حل لك سوى… القيام بالإصلاح الداخلي للتطهير وفك شبكة العلاقات الفاسدة…
لا حل لك… سوى أن تعيد النظر في منظومة الحوار الاجتماعي…
لأن النقابات أصبحت في حيص بيص…
غلبت على أمرها…
ولن تريد فقد الشارع وإن اتفقت معك…
فحين ينتفض الشارع التربوي سيكونون مع الشارع…
وليس معك…
لأنهم بل بساطة نقابات…
والمقارية ليست أخلاقية بل تكتيك تفاوضي….
للأسف الذين يدافعون عن النظام الأساسي ممن ترسلهم للبرامج التلفزية وللقنوات… كأنهم من كوكب آخر…
المؤسف أن بعضهم يكذب كذبا مفضوحا…
بعضهم لا يجيد التواصل…
بعضهم مجرد بهلوانيا يضحك المحاور ويشعل النيران في حطب الغضب….
أين مستشاروك في الإعلام…؟
أين مستشاروك في التواصل…؟
لم يمكنك أن تأتي بأحد ليتكلم باسم الوزارة وهو لا يعرف شيئا عن التعليم والتربية والمنظومة عامة…
ستتحول إلى كاميكاز في زمن تربوي معقد…
زمن الموت الإكلينيكي للدينامية النقابية التقليدية…
هل علي أن أذكرك بأن الإصلاح لا يكون فقط بحسن النوايا… بل بالوعي بمكامن الفساد والشجاعة في التخلص من الجنرالات التربويين الذين خصروا كل معارك الإصلاح…
المدخل للخروج من الورطة…
أن تعرف حليفك الحقيقي…
ولا تصدق كل متحمس مزيف يقدم لك جرعات عالية من الولاء…