الرئسيةحول العالمرأي/ كرونيك

الفاعل المدني والسياسي المغربي خالد فضيل في رسالة مفتوحة للقائدين الفلسطينيين مروان البرغوثي و محمد دحلان

الأخوان مروان البرغوثي و محمد دحلان،

و شعبنا الفلسطيني في غزة يتعرض ، منذ 07 أكتوبر 2023 ، لأبشع جريمة ضد الإنسانية في تاريخ الإنسانية على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي ، بقرار سياسي من حكومة نتنياهو و بإيعاز و دعم و تغطية و مشاركة من الولايات المتحدة الأمريكية و معظم قادة الدول الغربية ، بل و بتواطئ من مؤسسات الشرعية الدولية التي يتأرجح تعاطيها مع الإبادة الجماعية و تقتيل المدنيين و حرمان الأحياء من أدنى شروط الحياة و مع الخرق السافر لكل قواعد و نصوص و فلسفة القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ، يتأرجح بين الصمت و الارتهان لموازين قوى ما بعد الحرب العالمية الثانية و الرعونة و تسجيل المواقف للتاريخ ، ما أباح و أتاح لإسرائيل كل فرص الانتقام و إنجاز الفظائع و التكشير عن حقيقتها الهمجية التي لا تختلف في أي شيء عن النازية و الفاشية مجتمعتين.

فضيلي
بقلم خالد فضيل فاعل مدني وسياسي 

 

العالم يشهد و يشاهد و يعاين ، حتى الآن ، استشهاد ما يناهز خمسة و عشرون ألفا من أهلنا هناك ، جلهم أطفال و نساء و شيوخ ، و إلحاق الأذى الجسدي و النفسي المستدام بالآلاف من الأبرياء و تدمير نصف القطاع و تهجير ثلث السكان قسرا و إعدام كل مقومات العيش ، ناهيكم عن تبخيس دور مجلس الأمن و الجمعية العامة و الدبلوماسية الدولية في إقرار القانون و جعلهم في حالة عجز مزمن عن اتخاذ أي قرار حاسم ، بل ومنعهم من إعلان هدنة إنسانية حتى ، تارة بإشهار الفيتو الأمريكي و تارات أخرى بتجنيد الإعلام و منصات التواصل لتضليل الرأي العام الدولي حول المعطيات التاريخية و الجغرافية و السياسية للصراع و إضاعة الوقت و كنه القضية بين منابر الخطب الجوفاء و جر النقاش إلى متاهات أسئلة خرقاء تحاول اختزال كل الحكاية في إقدام حركة حماس على طوفان الأقصى و القفز عن حقيقة أن جرائم الاحتلال ، منذ نكبة 1948 إلى مابعد أوسلو ، مرورا بحصار غزة و اغتيال أبو عمار ، وصولا إلى الاعتداءات المتكررة على القدس و استفحال الاستيطان و الاعتقال و القتل و كل المجازر على امتداد 76 سنة ، أن تلك الجرائم هي ما يشكل البنية التحتية لأية مقاومة شعبية و لأي رد فعل عنيف …

أمام هكذا وضع ، إرتأيت التوجه إليكما ، بصفتيكما و اسميكما الوازنين في الثورة الفلسطينية و رصيد علاقاتكما الواسعة مع الأسرى و مناضلي حركة فتح و باقي فصائل منظمة التحرير و حركات المقاومة ، أرتأيت التوجه إليكما بهذه الرسالة و اخترت لها أن تؤرخ في ذكرى يوم الشهيد الذي يصادف 07 يناير من كل عام و أنتما أدرى مني بقيمة و رمزية و دلالات هذا اليوم في الذاكرة الجماعية لشعبنا في فلسطين و في مسيرته الكفاحية و تضحياته العظيمة من أجل الحرية و الاستقلال و بناء الدولة الوطنية .

الأخوان مروان البرغوثي و محمد دحلان،

لا مجال لأدنى خلاف حول أن ما يحصل منذ 07 أكتوبر 2023 قد فضح الجوهر الصهيوني للنخب السياسية في إسرائيل و كشف غياب شريك حقيقي لديهم مهتم بحل الدولتين و أظهر الحاجة الحيوية و الملحة لعمل دولي دؤوب من أجل تشجيع تيار السلام على اختراق مفاصل الدولة و المجتمع هناك .

كما أبرز استعدادا غير عادي للتضحية من قبل الفلسطينيين و أحاط القضية بمساندة شعبية أممية عارمة و أعادها إلى تصدر المشهد الدولي بعد أن اعتقد البعض أنها ستتلاشى و تتوارى و تنتهي بفعل ترهل السلطة و خلافات الفصائل و تداعيات الفوضى الخلاقة و التأويل المغلوط لنتائج اتفاقية أبراهام من قبل إسرائيل .

إن الأحداث و التطورات الجارية ، ستلزم أية مقاربة جادة لاستئناف المسار السياسي الذي فتحته وثيقة بسام أبو الشريف عام 1988 و أية رؤية لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي في المستقبل المنظور و أية مبادرة عملية في هذا الاتجاه من الجانب الفلسطيني ، ستلزمها بتقدير دقيق للموقف الذي بات شديد التعقيد ، أي نعم ، لكنه عاد واعدا ، أكثر من أي وقت مضى ، بتسوية تاريخية .كما ستضع على سلم الأولويات ، ضرورة إعادة صياغة فتح و منظمة التحرير و الوحدة الوطنية و التأمل مليا ، بصرف النظر عن الموقف الإيديولوجي ، في وضع المقاومة الإسلامية و في الدم الذي تقدمه رغم ركوبها متاهات صراع الوجود و في أطروحتها و في ما قد يطرؤ عليها من تحولات ، بقوة الأشياء و اختبار الأحداث الكبرى و معاينتها لحقيقة الحسابات الإقليمية و أهداف المحاور و منطق التاريخ و قانون التأثير و التأثر ، إضافة إلى إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني و مراجعة العلاقات مع العرب و الفاعلين الإقليميين و الدوليين على قاعدة إعمال مبدإ جعل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني محط إجماع و تحريرها من التقاطبات و الأجندات و الحسابات الجيو-سياسية و الترافع أمام المحافل الدولية و الرأي العام وفق تصور واقعي لسلام عادل و دائم تلتف حوله كافة مكونات الشعب الفلسطيني و معها كل شعوب العالم و يثمن ما تحقق من تعاطف غير مسبوق مع معاناة و حقوق الفلسطينيين .

لقد أنضجت دماء الأبرياء التي سالت بهكذا غزارة كل شروط إحراج القيادة السياسية في إسرائيل و البيت الأبيض و أروقة المنتظم الدولي و من الواجب ، هنا و الآن ، وضع الجميع تحت ضغط مشروع جديد للسلام ، لا ينسى أعداد الشهداء الذين سقطوا و لا حقد اليتامى و الثكالى و المعطوبين و لا حنق من فقدوا ذويهم و الأحبة و يبقي على حقي المقاومة و الملاحقة القانونية للمسؤولين عن هذه الفظائع أمام المحكمة الجنائية الدولية ، بيد أنه لا يوهم الجماهير بوجود حل خارج خيارات السلام و قرارات الشرعية الدولية .

قد يبدو هذا الوضوح قاسيا ، لكن تجارب و محن و تضحيات حركات التحرر و الشعوب ، تؤكد أنه مهما بلغ حجم المآسي إبان مواجهات الاستعمار و الاحتلال و النزاعات المسلحة و كل أشكال الكفاح ، تنتهي الأشياء إلى مفاوضات و اتفاقيات و ضمانات دولية . هذه هي الحقيقة التي لا يجب على أنصار القضية الفلسطينية و السلام ، من قادة الفكر و السياسية و الإعلام ، تجنبها و تفاديها و الخوف من مواجهتها و من الإجابة عنها حتى لا نترك الوهم و المغالطات المؤذية و المواقف الفاقدة لأي معنى تكتيكي أو استراتيجي أو مبدئي و خطاب ترديد الشعارات البالية ، يستوطنوا تفكير و وجدان شعبنا الفلسطيني و المنتصرين لحقوقه و يحجبون عنهم رؤية الخيط الرفيع الفاصل بين أقصى ممكن و أدنى مستحيل.

القضية الفلسطينية لن تجد سبيلها نحو الحل العادل ، في اعتقادي و اعتقاد القراءة الموضوعية لملابسات و حيثيات و معطيات و تضاريس معادلة الشرق الأوسط ، إلا بوجود خيار المقاومة و خيار التفاوض الحازم على حل الدولتين أحدهما إلى جانب الآخر و ليس أحدهما على حساب الآخر .

بمعنى أن يسند خيار المقاومة التفاوض على حل الدولتين و أن يبقى خيار التفاوض على حل الدولتين ممسكا بخيار المقاومة. فلا يمكن الاستمرار هكذا دون بوصلة و رؤية و استراتيجية تتعامل مع إسرائيل حسب موقف إسرائيل من عملية السلام .

ثم على الذين ينتصرون لحقوق الشعب الفلسطيني أن يكونوا واضحين إزاء سؤال ينتصب منذ بدايات الانقسام و التباين المذهبي العميق بين الفصائل و إسقاط مفهوم القواسم المشتركة و ما تلاها من أزمات و معضلات و إشكاليات .

سؤال هل الحل الثوري للقضية هو الكفاح بكل الأشكال المشروعة لإنهاء الاحتلال و إيجاد حل ممكن و دائم و مقبول من الفلسطينيين و الجمعية العامة و مجلس الأمن و حركات السلام التي هي من يؤثر في موازين القوى لصالح غزة و فلسطين الآن أم أن الحل الثوري هو تقديم كل أصناف التضحيات و السقوط في يوتوبيا إلقاء الكيان في البحر و فيما قد يبدد كل هذا التعاطف الشعبي الأممي الهائل دون هدف مرئي لإزالة الاحتلال .

من المفروض ألا نحرج المقاومة إبان المواجهات الدائرة ، إلا أن التأطير الفكري و السياسي لكل محطة كبرى من معارك التحرر الوطني و المراجعة النقدية لخرائط الطريق هو واجب لا يقل أهمية عن المواجهة الميدانية للاحتلال.

الأخوان مروان البرغوثي و محمد دحلان،

العالم برمته أضحى يعرف وحشية إسرائيل و بشاعة الحصار المضروب على غزة و قساوة أوضاع أهلنا في الضفة و القدس و الظروف اللاإنسانية للأسرى و معاناة اللاجئين و صار يعلم أنه من أجل السلام و حل الدولتين و التعايش و إنجاز إتفاقات مسار التسوية منذ مدريد و أوسلو و كامب ديفيد الثانية ، تنازل الفلسطينيون عن 78 في المائة من أرضهم و أجلوا حق العودة و وضع القدس و الدولة و المستوطنات إلى مفاوضات الوضع النهائي و شككوا في بعضهم و اشتبكوا فيما بينهم ، لأن العقل الاستراتيجي للدولة العبرية لم يستوعب ، بعد ، فكرة السلام و حل الدولتين و لأن صقوره عملوا ، دون هوادة ، على إجهاض هذا المسار بنهج الاستيطان و التهويد و القتل و الاعتقالات و التلاعب باتفاقية باريس الاقتصادية و إزاحة أية قيادة تؤمن بحل الدولتين لكنها لا تنصاع لأي تنازل عن بناء الدولة الفلسطينية على كامل أراضي 04 يونيو 1967 تحت يافطة قراري مجلس الأمن 242 و 338 و لا تسقط في فخ الاقتتال الداخلي و لا تستدرج للفساد و الريع و إدارة السلطة و كأنها غاية كل التضحيات و لا تحرف و تحول الالتزام بالاتفاقيات إلى مجرد خدمة لأمن إسرائيل .

و لعل هذا ما يفسر استهداف العديد من الوجوه المؤثرة بهكذا مواصفات و يعلل دواعي الحكم بخمس مؤبدات على مروان البرغوثي و اغتيال ياسر عرفات و إبعاد محمد دحلان من الفعل المباشر في المشهد الفلسطيني بشتى أحكام القيمة و مدافع الافتراء و نسج الأساطير و الوصول حتى طرد ناصر القدوة دون خجل .

صقور إسرائيل و المخونون لأي تقييم نقدي لآداء الفصائل في تجربة حركة التحرر الوطني الفلسطينية و التحريفيون و المنتفعون من الوضع ، يفضلون التعايش مع العدمية و يخشون خيار الكفاح الواقعي و الحازم لأن هذا الأخير يشكل تهديدا استراتيجيا حقيقيا لبنية الصهيونية و لمسثمري القضية في صراع موازين القوى الإقليمية و الدولية و للوبيات الفساد و الاستبداد في مؤسسات السلطة.

الأخوان مروان البرغوثي و محمد دحلان،

الشعب الفلسطيني في حاجة لإحداث اختراق في انسداد الأفق السياسي للقضية الفلسطينية و التحرر و إعادة الإعمار و بناء الدولة الوطنية الديمقراطية و تحقيق الحرية و التنمية و العدالة الاجتماعيةو الرخاء .

و يبدو أن جزءا أساسيا من شروط بداية تحقيق ذلك قد توفر بفعل ما حدث و انتباه الرأي العام و عدم قدرة العالم على الاستمرار في تحمل الأعباء الاخلاقية و الكلفة السياسية لوحشية الاحتلال الإسرائيلي التي تتعارض و كل ما بلغته البشرية من قوانين و مؤسسات و تمدن .

فلا أحد بوسعه تأخير التسوية السياسية أو غض الطرف عنها بعد الآن . و عليه ، فالمطروح ، حاليا ، هو قيادة مؤهلة لالتقاط مهام المرحلة وتحمل المسؤولية التاريخية في توحيد الصف الفلسطيني في الداخل و الخارج و فتح حوار استراتيجي بين الفصائل و صياغة رؤية جديدة للحل و خارطة طريق للإنجاز .


لقد كنت دائما أميل إلى حركة فتح رغم أنني أتبنى ، و لو دون انتماء تنظيمي ، فكرة اليسار التي من المفروض أن تجعلني قريبا من الجبهة الشعبية أو الجبهة الديمقراطية أو من كليهما . إلا أن أطروحة فتح و كفاحاتها و تضحياتها و حضورها في منظمة التحرير و نهج ياسر عرفات الذي اختصره في رفع غصن الزيتون و البندقية في الجمعية العامة للأمم المتحدة و الصرامة إبان كامب ديفيد الثانية و الاستعداد للاستشهاد خلال الحصار و الحرص على قيادات المقاومة و أشياء أخرى، جعلتني قريبا من الخط السياسي لهذه الحركة المناضلة .

لذلك قررت التوجه إليكما ، الأخوين أبو القسام و أبو فادي ، بهذه الرسالة باعتباركما من أبرز الأبناء البررة لفتح الذين خبروا السجون و التنكيل وأسهموا فكرا و تخطيطا و ميدانا في الإنتفاضتين و عايشوا أبو عمار و أبو جهاد و أبو أياد و محمود درويش و جورج حبش و نايف حواتمة و أحمد ياسين و جل الرعيل الأول للحركة و لمنظمة التحرير و للمقاومة الإسلامية و أداروا خلافات الفصائل بالحوار و بالمواجهات و تحملوا أعباء بناء السلطة عندما كانت تترجم إرادة الشعب الفلسطيني و يلمون بالعناوين الكبرى و بأدق تفاصيل انتظارات الفلسطينيين و يفهمون إلى حد كبير تناقضات القوى و الروافد الديمغرافية و المادة الرمادية لإسرائيل ، قررت التوجه إليكما ، و من خلالكما إلى كافة قيادات الفصائل الفلسطينية ، بهذه الرسالة لعلها تكون نداءا من مواطن مغربي لطالما تبنت بلاده ، دولة و قوى حية و شعبا ، القضية الفلسطينية و اعتبرتها قضية وطنية و رفعتها إلى مقام وحدتها الترابية ، نداءا قد يجد طريقه نحو قلوب و عقول الفصائل و عموم أهلنا في فلسطين من أجل تدبير القضايا الخلافية و البحث عن القواسم المشتركة و تكثيف الجهود لتحرير فلسطين وفق ما ستجمع عليه الفصائل و يلتف حوله الرأي العام العالمي و يستسيغه المنتظم الدولي .


من المتوقع أن تتغير الكثير من الأشياء بفعل قوة الصدام الذي حصل و من المرجح أن تتبدل الأمور لصالح تسوية تاريخية للصراع و قادة حركات المقاومة الوطنية و الإسلامية أذكى من أن يخطئوا الموعد مع تاريخ جديد و مع ما ساهموا في صناعته من فرص للحل الدائم و العادل و لسلام الشجعان .

إن تقريب وجهات النظر و العمل و تنسيق الجهود بين قائدين من طينتكما و الانفتاح على باقي المكونات سيكون له ، بكل تأكيد ، تداعيات عميقة على إنعاش فرص الحل و سيشكل نواة تليق بقيادة الشعب الفلسطيني نحو تحويل كل هذه المآسي إلى مكاسب و إلى مرحلة جديدة من ثورته .

خالد فضيل
وجدة – المغرب
07 يناير 2024
[email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى