الرئسيةرأي/ كرونيكشواهد على التاريخ

المصطفى مفتاح يكتب: في الوفاء للرفيقين وعبرهما كل من ساهموا معهم في نضالنا

المصطفى مفتاح

بداية عذرا إن أنا اخترت أن أترك لعواطفي وللقرابة التي تشدني إلى الرفيقين حرية معتبرة في التعبير لأن هذه الحرية درعي لمداراة مصابي.

حوالي شهر مر على رحيل رفيقنا الكبير محمد بنسعيد ولم نستوعب بعد أنه غادرنا ومضى إلى حيث النور أصل مبتدأٌ ومنتهىً لا ينتهي.

أكثر من شهرين ونيف ودعنا رفيقنا الكبير إبراهيم الذي سماه بنسعيد الحكيم ولم نستوعب بعد أنه علينا أن نتدبر أمرنا في غياب حكمته وقدرته العجيبة على الانصات وهروبه من المنصات والمناصب وزهده.
مضى رفيقانا إلى نورهما حيث لا ندركُه إلا حين ندرك أنفسنا في قراراتها صافيةَ البلورِ شفافةً كلوعةٍ حارقةٍ لا نقوى على نارها أو جذوةٍ من وفاءٍ لا يخاف.

مضيا عنا ولم ندرك بعد أنهما رحلا وأن السماء غامضة جهيمة تماما ولم ندرك بعد أنهما هناك في موعد سرمدي. ورغم أننا على يقين أن البسيطة تدور حول مائها وصخرها ووميض الحياة حين تنبلج من سرها. لكن الزمانَ قاطعٌ فولاذهُ، لا نستطيعُ أن نفكر في هدوءٍ ونخبر بعضنا أن الموتَ حقيقةٌ ونتجَنَّبَ العزاءَ ثم نبكي كما يبكي الرجال وكما تبكي النساء، بالأدمع الصادقاتِ، ثم نمسح عن وفائنا ضغط الطقوس ونشرع للبلاد وفاءنا الكبير ونقدح في ظلام الفاجعة زهرة من ياسمين، بركانا من الخزامى والربيع.

لا نستطيع، نعم لا نستطيع وقد لا نستطيع، لكن! فلِنَسْتَطِعْ!

هو الآن، رفيقنا الكبير وفقيدنا الحكيم، كل واحد من شمسه يرمقنا ببسمة بليغة وينتظر: فلنستعرض الأسماء كلها وإذا لم نستطع فلنشترك محاريثَنا ومناجِلَنا ولنستمع بكلِّ وفائنا حتى نتبين كل المهام وكل الثقة التي أودَعَانا.

هذا حبيبنا رفيقنا وذاك، فتىً أتى من مغرب أمازيغي مهمش ليدرس ويقاوم ويختلف ويغامر ويتبنى العلم والعقل والعصر.

هذا كهل يقود أقصى اليسار إلى يسار الوطن والمواطنة ويدرك السر في الرباط القوي بين العمل والفكر، بين اليد والشعار، بين الشعار وامتحان الشعار، بين التحليل والتغيير، بين الضمير وزعزعة ميزان القوى، بين الانضباط ومقاومة الانحناء، بين المواطنة وحرية الاعتقاد والذوق الفني والهواية، وبين حكمة القيادة والثقة في الشباب.

وهذا قائد لم يهرب من المسؤولية ولم يطمح إليها كان الواجب النضالي أهم لديه من الرتبة والمكانة في المنصات المرفوعة. كان الصوت المسموع مدويا وهو صامت وهامس يتجنب الخطابة وكان الأسبق للعمل والتنفيذ.

هذا مقاوم، هذا مناضل قائد مغربي من الريف والأطلس والصحراء مغاربي عربي افريقي متوسطي وأممي، يهدينا بوصلته الأثيرة: اسمها فلسطين، تاريخنا ومأساتنا اليوم ومستقبل البشرية، فلسطين سره وكنزه الأخير وزاده في سره السرمدي.
مات بنسعيد آيت يدر ورحل الشافعي وفلسطين في الجحيم لتنتصر على الجحيم.

أما نحن فلنحتمل جرح الغياب وفقدنا ولنتحمل مسؤولياتنا كما يليق برفاقنا ولنجعل كل الجواهر المتنوعة المتعددة جواهرنا لننفض عليها غبار الطقوس المعتادة، ولنشعلها للعالمين نورا يقودنا للعقل والعصر والوطن وللإنسان فينا ومن حولنا.

وطوبى لمن جمع حوله في حياته وموته كل من اجتمع. لا يرد أحدا ولا يغلق الباب على أحد.
هو الآن يرحل، وقبله رفيقه، هو الآن يسكننا يسارا ووطنا، يسكننا جميعا من كل فج ومن كل وسط ومن كل جهة ومن كل جيل.

بنسعيد ايت إيدر مصطفى مسداد و إبراهيم ياسين وسمهاري عمر

كل واحد منا يجد فيه ما يبحث عنه. وكل من يبحث عنهما سيجدنا معه في بحثه بالرحب والسعة سراجا والسند. وسنبحث عما يحبا أن يجدا منا وفينا. سنذكر حين نذكر منابر “أنفاس” و “23 مارس” و”أنوال”.

سنذكر أن محمد بنسعيد رحل وفي قلبه أسىً وخوف على البلاد وعلى أفق البلاد حين تخلف البلاد موعدها مع العصر.

سنذكر أنه والحكيم مضيا وفي الصميم حزن أسي وربما بعض العتاب على المآل الذي عليه اليسار هذا الذي يودع رموزه المؤسسين واحداً واحداً، وربما أسى أكبر لأن الشعور بوضعية هذا اليسار اليوم يبدو ضعيفا لدى نخب اليسار نفسها المؤتمنة على هذا الحلم-الالتزام الذي ضحى العشرات من أجل أن ينهض.

ونذكر أنهما رحلا وفي القلب والجوارح أسى وخوفٌ أن نهدر الفرص المتبقية لأجيال النخبة المسؤولة عن مصير البلاد الآن، وتوجس من أن نهرب للمواقع والمعارك الصغيرة وفتنة رد الفعل والانفعال، وقت الفعل.

مضيا وفي العينين والقلب أسى وخوف على المغرب الذي لن يكبر إلا بمصالحاته مع العصر والجوار والتحدي وفي الأعماق تطلع عارم لأن نحاول ثم نحاول ونحاول بناء ذكاء والتزام جماعي متقاطع متعدد مفتوح للعلم والشباب وأجيال النضال وكل من له بعدُ غيرة.

لأجلهما أقول يا رفيقاتي الصادقات يا رفاقي الصادقين: هيا نخطِّطُ، ننحتُ، نرسمُ، نغني أنوارا بكل أسمائنا وأحلامنا. ونحس بالاعتزاز لكل من وجدناهم بيننا في الجنازتين.

هيا لننس لحظة أو لحظتين معاركنا الأخرى، دونما محاسبة ولا اتهام ولا تخوين أو تحميل المسؤولية لذا الفصيل وذا القائد وذا الموقف وذا القرار. لنبن جسورا للتعاون، للإنصات الودود والاحترام المتبادل.

بليغة دروس تاريخنا منذ الأنوية الأولى فلنتبين وندرس ما تشير إليه ولا نحفل كثيرا بالباقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى