خطاب الصلف والعنجهية والزور والتزوير وتغييب الحق والحقيقة…عندما يتجاوز الخطاب الصهيوني سقف الوقاحة
تجاوز خطاب جلعاد إردان المستوطن برتبة سفير، وممثل الكيان الفاشي، أمام جلسة رسمية للجمعية العامة يوم الاثنين 8 أبريل الماضي كل حدود المنطق والمعقول والأصول والأدب والدبلوماسية والأعراف وأصول الحديث.
إن وصفه بأنه مليء بالأكاذيب مديح له، ووصفه بخطاب الغرور يعتبر شهادة حسن سلوك، حقيقة لم أجد له وصفا، حتى خطاب الوقاحة والصلف والعنجهية والزور والتزوير، وتغييب كل ما يتعلق بالحق والحقيقة، لا يكفي ولا يعطيه حقه. وسأظل مستغربا كيف لهؤلاء الدبلوماسيين الذين يحترمون أنفسهم ودولهم بقوا جالسين يستمعون لهذه الحمم البركانية المعجونة بالسباب ينفثها في كل اتجاه.
تعجبت أولا لماذا لم يطلب أحد حق الرد على ذلك الخطاب الجنوني الذي أهان جميع من في القاعة، واتهمهم بالتواطؤ مع حركة حماس والإرهاب. سألت رئيس الجمعية العامة فرنسيس دينيس، الذي كان يترأس الجلسة، كيف يمكن أن يسمح لممثل حرب الإبادة أن يقف أمام ممثلي 192 دولة ويهينهم جميعا ويحتقر الجمعية والدول ومجلس الأمن، ويتهم الأمم المتحدة كلها بأنها مشاركة في عمليات الإرهاب؟ لم أسأل لأنني لا أعرف الجواب، بل لأن السؤال نفسه بيان في حد ذاته. وليسمح لي القراء أن أقدم لهم عينة من الافتراءات الكبرى التي لا تُحتمل، من دون التوقف عند خزعبلات القول التي تعودنا عليها.
من رقصوا وغنوا على جثث الضحايا وأطلقوا على الفلسطينيين «حيوانات بشرية» لا يحق لهم أن يتكلموا عن أيديولوجية الكراهية والعنصرية والفوقية
* يقول في كلمته، ليس هناك صراع سياسي بين الفلسطينيين وإسرائيل، أو حول تقسيم الأرض بل حول تدمير اليهود، «إن هدف الفلسطينيين هو إبادة اليهود». وهل هناك أبشع من هذا الكلام. فلماذا كان يعيش مع الفلسطينيين آلاف اليهود قبل مجيء الصهيونية؟ ألم تكن في القدس حارة تسمى حارة اليهود؟ هل اعتدى الفلسطينيون الذين كانوا يشكلون 94 في المئة من السكان على الأقلية اليهودية؟ وهل قام الفلسطينيون بمهاجمة يهودي واحد خارج الأرض الفلسطينية المحتلة؟ هل اغتال الفلسطينيون يهوديا واحدا في المغرب، أو اليمن، أو سوريا لكونه يهوديا؟ وماذا عن آلاف اليهود الذي ينظمون المسيرات لنصرة الفلسطينيين، ولرفض الحرب والدعوة لوقف إطلاق النار؟
ألم تسكن الصحافية عاميرة هاس في رام الله وغزة، وأنجزت كتابها عن الانتفاضة الأولى بعنوان «إشربوا بحر غزة»، وكتابها الثاني «فلسطين». فهل اعتدى عليها أحد؟ هل ضايق فلسطيني واحد الصحافي جدعون ليفي وهو يتحرك في المدن الفلسطينية المحتلة ويكتب عن معاناة الناس. ألم يرحب الفلسطينيون بكل يهودي انتصر لحقهم وكشف باطل الصهاينة أمثال إلان بابيه ونعوم تشومسكي ونورمان فنكلستين وفيليس بينس وميكو بيليد؟ ألم يضم المجلس الوطني الفلسطيني اليهودي أوري ديفيس عضوا فاعلا في المؤتمرات المتعاقبة؟ ألم يشترك الفلسطينيون واليهود المتدينون من جماعة ناتوري كارتا في مظاهرات عديدة؟ المستوطن جلعاد إردان يريد أن يشطب الصراع على الأرض والاحتلال وطرد الفلسطينيين من ديارهم وهدم بيوتهم والاستيلاء على مزارعهم وموانئهم ومطاراتهم وملاحقتهم في كل مكان، ويختصر الصراع بأنه كراهية اليهود. هل هناك أحمق واحد خارج الدوائر الصهيونية يصدق هذا الهراء؟
* يقول إن الفلسطينيين تتم تعبئتهم عبر وسائل الإعلام والمناهج المدرسية بأيديولوجية لا تختلف عن تلك التي مارسها النازيون ضد اليهود. والحقيقة المطلقة هي العكس تماما. فمن رقصوا وغنوا على جثث الضحايا وأطلقوا على الفلسطينيين «حيوانات بشرية» لا يحق لهم أن يتكلموا عن أيديولوجية الكراهية والعنصرية والفوقية. والذي ارتكب مذابح تزيد عن التسعين مذبحة من دير ياسين والطنطورة والدوايمة، إلى مذبحة مستشفى الشفاء ومذبحة الطحين مروراً بمذابح قبية والسموع وقانا 1 وقانا 2 وصبرا وشاتيلا وبحر البقر وحمام الشط وجنين وغزة 2008/2009 و2012 و2014 و 2021، لا يحق له أن يتكلم عن أيديولوجية الحقد. لقد أبدع محمود درويش حين وصف عقيدتهم «اقتل كي تكون».
* يقول، إن الأمم المتحدة التي وجدت لمنع الأيديولوجية النازية، وجدت نفسها تعزز عقيدة الجهاديين النازيين في العصر الحديث. هل هذا الهراء يستحق الرد أو التعليق؟
* يقول إن الأمم المتحدة الآن، وفي انتهاك لميثاقها تجد نفسها تؤيد إنشاء دولة فلسطينية إرهابية. هذه لن تكون دولة عادية، بل دولة فلسطنازية (كما أطلق عليها). ولو كان هتلر حيا اليوم لغنى مدائح للأمم المتحدة. كيف يمكن لإنسان عاقل أن يستمع لهذا الجنون؟ اتهم حماس وفتح والسلطة الفلسطينية بأنهم كلهم يعملون على تدمير الدولة اليهودية.. لا فرق. الحقيقة التي لا مراء فيها أن هذا الخطاب جاء على خلفية تبرير حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، وليقول للحاضرين «نحن على حق في تدمير كل شيء فلسطيني، وقتل كل فلسطيني، واجتثاث جميع جذور الفلسطينيين». كأنه يرد على لولا دا سيلفا الرئيس البرازيلي، الذي اتهم إسرائيل بارتكاب مجازر لم ترتكب منذ أيام هتلر. جيش من القتلة والسفاحين يدمرون المدارس والمستشفيات والملاجئ والبشر والحجر، ثم يتهمون الضحايا بأنهم نازيون. هل هناك قول أوقح من هذه الترهات؟ يتلذذون بقتل الأطفال ويعتذر جندي لأنه لم يجد أطفالا، فاضطر أن يقتل ابنة 12 ربيعا. يجوعون شعبا كاملا ويمنعون عنه الغذاء والماء والدواء والمحروقات ويتهمون الضحايا بأنهم نازيون. «حلل يا دويري» كما قال أحد المناضلين.
* يقول، إن الأمم المتحدة أكثر فسادا من أي وقت مضى، لأنها لا تجتمع لإدانة حماس وتصنيفها كمنظمة إرهابية، وهناك دول (يقصد روسيا والصين) تستخدم الفيتو ضد مشروع قرار يدين حماس ويصنفها حركة إرهابية.. إرهابية.. «عليكم العار» .
* ستة شهور والرهائن ما زالوا في غزة يعذبون ويغتصبون ولم تعمل الأمم المتحدة شيئا لإطلاق سراحهم. ستة أشهر والقذائف تنهال على إسرائيل وتجبر الملايين على الخروج من منازلهم. ستة أشهر لم تعمل الأمم المتحدة شيئا ولم تعقد اجتماعا واحدا بخصوص الرهائن.. «عار عليكم». مجلس الأمن يقدم هدية لهذه البربرية. لا يستحق أن يسمى مجلس الأمن، بل إلى الأبد يجب أن يطلق عليه «مجلس الإرهاب».
هكذا يرى هذا المستوطن.. إما أن تعمل كل أجهزة الأمم المتحدة لخدمة الكيان الصهيوني وأن تتحول لجهاز يحرر أسراه ويتبنى السردية الإسرائيلية فقط. ممنوع على مجلس الأمن أو الجمعية العامة أن تذكر حتى الضحايا الفلسطينيين، ممنوع أن ترى التهجير لـ 90% من سكان غزة وعليها فقط أن ترى حفنة من المرحلين الإسرائيليين، الذين ادعى أنهم ملايين زورا وبهتانا، لأماكن أكثر أمنا، وإلا فالعار يلطخ وجه الأمم المتحدة. تصوروا أن هذا الكيان المارق هو نفسه الذي وصفته تقارير الأمم المتحدة (تقرير الإسكوا) وتقرير منظمة العفو الدولية وتقرير هيومان رايتس ووتش وتقرير بيتسيلم الإسرائيلية، بأنه نظام فصل عنصري، (أبرثهايد)، وناقشت مسلكيته في هذه الحرب محكمة العدل الدولية ووصفته بأنه يرتكب من الجرائم ما يرقى إلى جريمة الإبادة البشرية، وتقوم محكمة الجنايات الدولية بالتحقيق في جرائمة التي ارتكبها منذ حرب عام 2014، ويبني الجدار العازل غير الشرعي، حسب محكمة العدل الدولية، ويتوسع في الاستيطان الذي يعتبر جريمة حرب، حسب اتفاقية جنيف الرابعة، ثم يقف بكل صلافة يتهم العالم كله ومنظمات الأمم وكل رؤساء المنظمات الإنسانية، من دون استثناء بالتواطؤ مع الإرهاب ثم يكرر مرارا «عار عليكم» ويعود إلى مقعده ويشكره رئيس الجمعية على بيانه. فكيف تحمل الحاضرون كل هذه الوقاحات؟ لا أعرف.