ثقافة وفنونرأي/ كرونيك

حدث أسامة مسلم.. القراءة أم الوصاية

اتركوهم يقرأون رحمكم الله ؟

هدى سحلي
اكتشفت أسامة مسلم قبل أيام من حفل توقيع رواياته في معرض الكتاب، حين ساقتني أهوائي لتصفح تطبيق تيك توك، حيث فجأة اكتشفت شبابا يافعين يعلنون تلهفهم لكاتب روائي اسمه أسامة المسلم، فيديو تلو الفيديو وشاب تلو شاب، كلهم يعرفون هذا الكاتب، ويتوفرون على نسخ ورقية لرواياته، بعضها مكون من أجزاء.

حينها أول سؤال تبادر إلى ذهني هو من هذا الكاتب؟ ولماذا لم أسمع به؟ السؤال في البداية طرحته بنوع من التعالي والحال يقول أنّى لشباب في هذا العمر والسياق أن يقرأ؟ وهي الشريحة التي أجمعت كل الدراسات والإحصاءات على أنهم لا يقرؤون وأننا نعاني أزمة قراءة، جعلت المغرب يتذيل مؤشرات القراءة في العالم، بحيث تؤكد إحصائيات رسمية صادرة عن المندوبية السّامية للتخطيط،أنّ أزيد من 97 في المائة من الأطفال المتراوحة أعمارهم مابين 7 و 14 سنة لا… يقرأون، وأن نسبة 44% من الشباب المغربي، أي ما يقارب النصف، لا يتوفرون على 10 كتب في منازلهم حسب تصريح لوزير الثقافة السابق، عثمان الفردوس، قال في قبّة البرلمان، في نونبر 2020.

هذه الصورة، تحث العاقل أن يبحث في الأسباب والكيفيات، هل فعلا أننا أمام شباب لا يقرأ أم أن كتابنا لا يكتبون لهذه الفئة؟ هل نعرف أذواقهم في القراءة؟ والسؤال الأهم هل لدينا إعلام ثقافي قوي، لكي يقُوم بهذا الدّور: أن ينشر ثقافة القراءة في المجتمع، وان يواكب التحولات الثقافية في المجتمع؟

وقبل البحث في هذه الأسئلة وأخرى والتي تحتاج فضاءات خاصة وتحليلات معمقة، وجب أولا العمل والحرص بجدية أكبر على تكريس قيمتي الحرية والاختلاف داخل المجتمع وحمايتهما من كل الأفكار النمطية والمحافظة التي لن تدفع بالمجتمع إلا للجمود.
ومناسبة هذا (التنبيه)، ردود الأفعال التي خلقتها حشود اليافعين الذين حضروا حفل توقيع كاتب ثلاثية “خوف” و”عربستان”، التي أتفهم الصدمة التي خلقتها لدى معظمنا، لكن لا يمكن تفهم الآراء التي ذهبت إلى تبخيس الحدث، وتبخيس الذوق الأدبي لهؤلاء الشباب، بل وبعض هذه الآراء توسلت بنظرية المؤامرة والتخطيط المسبق لفسخ الشباب عن واقعهم، في تجاهل تام لتطور فعل القراءة في سياق تراجعت فيه رواية شخصيات الواقع لصالح الفانتازيا والخيال العلمي انسجاما مع التطور التكنولوجي.

موجة الانتقادات هاته تجعلنا نتساءل هل هناك حرية قراءة؟ هل لدينا حرية في اختياراتنا الأدبية والفكرية؟ والمضحك هنا أنه وفي حين أننا قد ألفنا طرح السؤال عن الدولة والجهة الوصية مع كل منع لعرض كتاب معين في معرض الكتاب، انتقلنا هذا العام لضرورة الدفاع عن حرية القراءة، لأنه وبكل بساطة كل الحريات تبدأ بحرية القراءة، ومنها تتفرع حريات التعبير والتفكير والضمير وكل الحريات التي لازالت كل معاركها مفتوحة في المشهد الحقوقي المغربي.

ثمة حقيقة لا يمكن إنكارها، أننا نعيش على مدى سنوات أزمة قراءة، وظهرت اليوم، في معرض الكتاب، بذرة أمل وفرصة لتشكيل مجتمع قارئ، يكفي ان لا نمارس الوصاية على أفراده، شبابه خاصة، والسماح لهم بتشكيل خبرتهم الخاصة بالولوج إلى القراءة والكتابة من أي نقطة اختاروها أو تقاطعت سبلهم معها.

وأن نؤمن أنه ليس مهما أن تبدأ القراءة بكتاب يتعدى فهمك وذوقك وخبرتك الآخذة في التشكل تدريجيا، ونؤمن بقدرة الكتاب على نقل القارئ من مستوى إلى آخر، من البسيط إلى النخبوي، من مجال إلى الآخر، ذاك أن تجربة القراءة هي الخطوة الأولى لاستفزاز المعرفة، ولا يمكننا هنا إلا أن نعمل على رفع سقف حرية القراءة والثقافة، وأن نتوقف عن خوفنا غير المبرر من الكتب والأفكار والأذواق، والتي يمكن مرافقتها بإثراء العرض الثقافي والمواكبة الإعلامية واقتحام كل فضاءات الشباب الواقعية والرقمية وتوفير المقترحات الأدبية والفكرية ما يسمح لهم بالاختيار، عوضا عن ممارسة الاستبداد الثقافي عليهم أو اعتبار أن الاختيارات القرائية لجيل الستينات أخير وأرفع ذوقا من الأجيال اللاحقة.

وعندما يقوم المغرب بمؤسساته ومجتمعه بهذا الدور، فالأكيد أننا سنحصل على بوادر أكثر تفاؤلا لمجتمع قارئ، وتصبح القراءة حقيقة مجتمعية لا مجرد ظاهرة فجائية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى