الرئسيةرأي/ كرونيك

حليمة لخديم تتسأل: ألا يستضمر دفاع الحداثي عن المساواة لاوعيا بتفوق الرجل؟

بقلم: حليمة لخديم

نسجا على منوال المابعديات، ألا يجوز الحديث عن راهنية تشييد خطاب: ما بعد المساواة؟ ألا يستضمر دفاع الحداثي عن المساواة لاوعيا بتفوق الرجل، و بأنه الأصل الذي على المرأة مواجهة اليقينيات المجتمعية و الثقافية و الدينية للحاق به حتى تكتمل إنسانيتها؟

ذلك أن المركزيات الكبرى القائمة على الإقصاء و الاستبعاد و من ثم الاستعباد مدارها الهيمنة الذكورية على المستودعات الرمزية للبشرية، فالرجال هم من كتبوا التاريخ، فاحتكروا البطولات و المجد،و ما كان من مساهمة للنساء فيعزى للمكر و الحيلة، وهم من سطوا على المدونات الدينية فأسسوا لقيم الطاعة و الامتثال العموديين ضدا على أفق التشارك و فسحته.

مصدر الصورة الشرق الاوسط

و لم يسلم الأدب من سطوة الأب حتى و إن انتقلنا من عمود الشعر بتضييقاته إلى قصيدة النثر بإمكاناتها التي لا تخوم لها، إذ ظلت الشواعر مؤثثات في بلاط يتوارثه أمراء الشعر،، و بالتالي فخطاب النسوية الجديدة يندرج في أفق تصحيح مسار التاريخ نحو تخليصه من هيمنة القضيب/ الرجل /الكتابة /الغرب /الأبيض، ليس بالضرورة في اتجاه مركزية نسائية متوهمة، و لكن بأفق الجسد اللامتعين جنسيا، أفق الهامش و الهجنة و التعدد و الاختلاف،،

يبدو لي –وقد لا يروق قولي لبعضهن- أن خطاب الجمعيات النسائية حول المساواة و الإنصاف و الكوتا و المقاربة الجندرية المفترى عليها، يكرس التمايز و التفوق الرجالي، إذ ينطلق من منصات المظلومية و منابر البكائيات، و يستجدي مؤسسات و تنظيمات قائمة على الذكورية و التراتبية و الهرمية، في حين أن لا إمكانات تسمح بها مربعات الأنطمة السياسية و الثقافية و الاجتماعية كونيا،بله محليا لتجاوز قرون من الإقصاء و المركزية،و هي سليلته و نتاجه (أي هذه الأنظمة التي نطالبها بإنصافنا) ،،، ربما نحتاج لفوضى خلاقة،ليس بمنطق المحافظين الجدد، و لكن بمعنى انحياز الخطاب النسوي لكل الهوامش الجنسانية و الثقافية و اللغوية من أجل تشييد الوجود عبر مفارقة “الدازاين” بتعبير هايدغر و “الهابيتوس” بتعبير بورديو، نحو أنطولوجيا الكائن الموجود في ذاته و لذاته بعيدا عن كل أشكال السيطرة و إرغامات الثقافة و إكراهات التاريخ،،

ربما تسعفنا توني موريسون فيما تكتبه كما في لون بشرتها و اختيار إسم “ذكوري” عرفيا لتوقيع نصوصها في تمثل سيمياء هذا التعدد الجنساني و اللغوي و الثقافي..

علينا أن نعترف أن الإيديولوجيات الكبرى التي أحدثت منعطفات كبرى في التاريخ الإنساني لم تنتبه لقيود المركزيات الكبرى

( و في القلب منها المركزية الذكورية)، و إن فككت مركزية ما فلكي تقيم أخرى، فحركة الإصلاح الديني المسيحية مثلا و إن أعادت الاعتبار للإيمان الفردي ضد سلطة “البابا”، فإنها لم توصل “الماما” حتى لمرتبة “الأسقفية”، و الليبيرالية حررت الفرد من قيود الجماعة و سلطة الإقطاع (ذي الأصول الزراعية)، و لكن لم يستفد من منافع هذه الحركة التحررية إلا الرجل “البورجوازي” الذي كان مهيئا للحظة الانتقال نحو نمط الاقتصاد الصناعي، و حتى اليوتوبيا الماركسية بشرت بمجتمع بلا طبقات، لكنها حين الأجرأة أنتجت بالاتحاد السوفياتي و الصين أوضاعا لم تكن مساعدة للنساء على التحرر الشامل، فكن حطب الثورة،التي قد تلغي الطبقات، و لكن لا تلغي هيمنة ديكتاتورية الرجل البروليتاري برغم كل التشييدات النظرية.

 

لا أقصد مما سبق دعوة لمركزية نسوية في مقابل مركزية ذكورية، و إن كنا لا نرى حرجا من إعادة بناء التاريخ و الدين و العلم من منظور نسوي سعيا لإعادة التوازن و اكتشاف ما أغفلته بنى منطقية و لغوية أقصت المرأة تفكيرا و أحاسيس و جسدا من سيرورة تشييد المعنى و المجال و الذاكرة، و لكن الغرض التحرر النسوي من نسائية المرافعات البكائية التي تستبطن لاوعي الدونية، من مثل وهم “الكوطا” مدخلا للإنصاف، إذ في ظل واقع المحسوبية و الرشوة و اللاستحقاق، تقوم “الكوطا” بنقيض الغاية منها، فتصل إلى البرلمان و الحكومة و المناصب السامية نساء “مسترجلات” لا كفاءة لهن سوى قربهن من أولياء أمورهن في الحزب / القبيلة/ المقاولة،، و تكون النتيجة تأبيد الصورة و التمثل السلبيين حول كفاءة النساء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى