صحيفة عبرية: نتانياهو عديم الإحساس، الانتهازي، من دون قلب..حتى لا يستمر «سيد الموت» في قتل أبنائنا
عن “هارتس” و ترجمة الأيام الفلسطينية
كانت أولى علامات فقدان نتنياهو سيطرته على الأمور، الأحد الماضي، في ساعات الصباح، مع إلغاء اجتماع الحكومة (بعد إعلان فشل عملية إنقاذ الأسرى الستة أحياء). الحكومة ليست فقط فرصة لالتقاط الصور، بل هي مجلس إدارة الدولة، ولا ينبغي لها التوقف عن العمل عندما تقع مأساة وطنية. إن غياب نتنياهو في ذلك الصباح ذكّرنا باختفائه في الساعات التي تلت “هجوم حماس” في صبيحة 7 أكتوبر، والشهادات التي ظهرت منذ ذلك الحين بشأن عجزه التام عن العمل.
وحتى أول من أمس، وبعد تأخير كبير، وبعد أن تحدّث رئيس الولايات المتحدة جو بايدن ونائبته، كامالا هاريس، ورئيس الدولة، ووزراء وسياسيون كبار آخرون، أرسل رئيس الوزراء مقطع فيديو. كان في إمكانه قول ما قاله في بداية الاجتماع، ثم الطلب من الوزراء الوقوف دقيقة صمت حداداً، لكنه كان مختبئاً.
يثير سلوك نتنياهو الشكوك، بصورة كبيرة، في أن الرجل يفقد قدرته على العمل في لحظات التوتر، أمّا عندما يستعيد هدوءه فيعود بماكياجه الثقيل وشعاراته الفارغة وخبثه.
يعود الكاذب والمحتال. قال نتنياهو: “مَن يقتل الرهائن لا يريد صفقة.” إن كل ما يحتاجه هذا الرجل، كالعادة، لتغيير الخطاب في صفوف مؤيديه، هو تقديم حجة مضادة تبدو منطقية، بعدها يترك العمل لماكينته الإعلامية التي ستتكفل بالبقية.
ظهرت العلامة الثانية على ذعره، في وقت لاحق، أول من أمس، عندما أصدر ديوانه بياناً بشأن مكالمته الهاتفية مع عائلة ألكسندر لوبيونوف، أحد الرهائن الستة الذين قُتلوا.
كانت هناك كلمات لم نعتقد أننا سنسمعها منه: “أعتذر”، “أطلب المغفرة” (لأنه لم يتمكن من إعادة ابنهم إلى المنزل حياً). لقد قُتل ما لا يقل عن 20 رهينة (بعضهم قُتل بنيران الجيش الإسرائيلي) منذ تسعة أشهر.
ولم يعتبر نتنياهو أنه من الملائم إطلاق أيّ تصريح نستشف منه مسؤوليته عن مصير هؤلاء البشر الذين وجدوا أنفسهم في قبضة “حماس” بسبب إخفاقاته. حتى إنه لم يكلف نفسه عناء الاتصال. قديماً، غنّى إلتون جون “آسف هي أصعب الكلمات”. يبدو أن نتنياهو لم يجد كلمات يعبّر بها عن أسفه سوى الآن.
حسناً، دعوا جميع الأبواق والمنتديات “الحربجية” التي تقدم الدعم لنتنياهو تهدأ: إنها ليست معجزة طبية. فهذا الرجل عديم الإحساس، الانتهازي، من دون قلب، لم يصبح أرقّ، ولم يصبح إنساناً بين ليلة وضحاها. لكن قدرته السياسية على اختراع الشعارات لا تزال تعمل بكفاءة.
لقد انتبه إلى احتمال وقوع زلزال تحت قدميه، تظاهرات تم تنظيمها في أرجاء البلد، أهمها التظاهرة التي انطلقت أمام المجمّع الحكومي، تظاهرات ذكّرت بـ”ليلة غالانت”. قرار رئيس “الهستدروت” إعلان الإضراب العام، والمبادرات العفوية للمصالح التجارية الخاصة التي تنازلت عن أرباحها، وأغلقت أبوابها، أمور كلها شكلت اللحظة التي كان يخشاها نتنياهو، إنها لحظة تحوُّل الألم إلى غضب، والتعب إلى طاقة، لحظة نهاية اللامبالاة، أي اللحظة التي يعود فيها شارع أيالون، المؤدي إلى تل أبيب، إلى التوهج في عمق الليل، وهو يعج بالمتظاهرين، وبدت نهايته أقرب من أيّ وقت مضى. هذا كان آخر ما يحتاج إليه نتنياهو.
من هنا نشأت الحاجة الملحة لنتنياهو إلى تغيير خطابه، والتعبير عن عواطفه، وقول الكلمة الممنوعة، كلمة الاعتذار. لا يوجد شيء صادق في هذا الرجل. كل شيء لديه مخطط له، ومصمم، وواضح، بصورة مقززة. لقد اختفى ضجيج لغته الفارغة في عواصف الصرخات والاحتجاجات والبكاء التي اجتاحت البلد. وعلى الرغم من أن الأسرى الستة قُتلوا، قبيل اجتماع “الكابنت” الذي ستخلّده الذاكرة إلى الأبد (اجتماع الخميس الذي أعلن فيه “الكابنت” تمسُّكه بالبقاء في معبر فيلادلفيا، حتى لو جاء ذلك على حساب صفقة تبادُل)، أو لعلهم قُتلوا خلال انعقاد الاجتماع، بما يثبت أن موتهم لم يكن نتيجة هذا القرار الإجرامي، إلّا إن الغضب العارم لدى الشعب، بما فيه أوساط يمينية، كان بالغاً.
كانت تظاهرة تل أبيب ضخمة. أمّا الإضراب العام الجزئي فسينتهي بحلول المساء، على الأرجح. سيقول نتنياهو لنفسه: “نجوت”. لكن لا ينبغي لنا السماح بذلك.
لقد آن أوان اتخاذ خطوات جذرية. إن عائلات الرهائن والناشطين العاملين من أجل إطلاق سراحهم، مستعدون لذلك. لقد فقدوا الأمل نهائياً بهذا القائد القاسي، الذي وصفته عيناف تزانغوكر (ناشطة في طاقم عائلات المخطوفين) بـ”سيد الموت”، وأصابت. لكنهم لن يتمكنوا من التأثير بمفردهم. فإذا كانت أحداث الليلة قبل الماضية حدثاً لمرة واحدة، فإن “كابنت” الدماء سيستمر في طريقه.
ومهما يكن من أمر، فمن المفضل ألّا نخدع أنفسنا بآمال واهمة. صحيح أن الغضب الشعبي الذي انفجر في “ليلة غالانت” (إلى جانب الضغط الأميركي الشديد) أدى إلى إلغاء قرار إقالة وزير الدفاع، لكن مصير الحكومة، آنذاك، لم يكن على كف عفريت، مثلما هي الحال، اليوم. أمّا ليلة أول من أمس، فلن تدفع نتنياهو في اتجاه توقيع صفقة، لأن نجاته الشخصية والسياسية تهمه أكثر بألف مرة من حياة المخطوفين.
أمّا وزير الدفاع فقد وصل إلى الحافة. لقد سقطت مناشداته في “الكابنت”، حتى الليلة قبل الماضية، بشأن إعطاء الأولوية لحياة الرهائن الذين يُقتلون كل أسبوع، في آذان وقلوب صماء. بل إن بعض أعضاء الحكومة سخر منه علناً. وقبل أن يتعافى غالانت من مصيبة التصويت على البقاء في معبر فيلادلفيا، تلقى هو، وتلقينا نحن تأكيداً مؤلماً آخر لصحة موقفه.
الوضع خطِر جداً، والجيش والوزير المسؤول عن الجيش يتوسلان التوصل إلى صفقة ووقف إطلاق النار. ليس من منطلق ضعف، ولا من منطلق انهزامية، بل من منطلق العقل، من منطلق المسؤولية، من منطلق القيم والإنسانية. والقائد يرفض. وجوقة المطبلين له في “الكابنت”، تلك الجوقة الأكثر افتقاراً إلى العقل والحكمة والمسؤولية، منذ تأسيس الدولة، تقف إلى جانبه.
لا يمكن للمرء إذا قلّب صفحات التاريخ، وقلّب أكثر الصفحات ظلاماً في تاريخ الدول المسعورة، أن يعثر على وضع مشابه. وعلى الرغم من أن نتنياهو وزمرته عرفوا أن المعادلة التي سوّقوها للشعب بأن الأسرى لن ينجوا إلّا بتشديد الضغط العسكري سقطت بعد أن ظهر للعيان أن هذا الضغط يؤدي إلى مقتلهم، لكن لا بأس، سيجدون معادلة أُخرى.
الاحتجاج الذي اندلع، أول من أمس، يعزز غالانت بصورة غير مباشرة. فالأغلبية العظمى من الشعب، التي تقف مع الصفقة وتضع حياة الرهائن في رأس أولوياتها، تقف خلف الوزير والمؤسسة الأمنية. لذلك، لا ينبغي لأحد، من غالانت، إلى هرتسي هليفي ونيتسان ألون، التزحزح من منصبه.
يوجد في إسرائيل الآن مجلسا “كابنت”؛ الأول هو “الكابنت” العملي، العقلاني، الذي يقوده غالانت وقادة المؤسسة الأمنية، والثاني هو “الكابنت” السياسي، النفعي، الذي يقوده نتنياهو والمدمنون على السلطة. المشكلة هي أن الثاني هو الذي سيتخذ القرارات نيابةً عن العقلاء، وأنه يحتوي على صوت عقلاني واحد فحسب، هو صوت غالانت.
لن توافق الحكومة، بتركيبتها الحالية، على التوصل إلى صفقة أبدا. فإيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وياريف ليفين وميري ريغيف، وبقية مجرمي “الكابنت”، بدؤوا، الليلة قبل الماضية، فعلاً بإطلاق التوصيفات المهينة على متظاهري أول من أمس، واتهام أرنون بار دافيد، أحد ألبق رؤساء “الهستدروت” في تاريخه، بأنه يحمل أجندة يسارية. لقد كان تصرفهم ذاك، الذي يقسم إسرائيل إلى “نحن” و”هم” متوقعاً. هؤلاء الذين سعوا لاغتيال الديمقراطية الإسرائيلية، وفشلوا، يسعون الآن لإزهاق أرواح البشر. وهم يفلحون في ذلك.