العاملات والعمال الزراعيون بشتوكة آيت باها.. عمود الاقتصاد المحلي و رمز للمعاناة خلف الحقول الخصبة+صور
تتعرض الطبقة العاملة بالقطاع الزراعي باشتوكة أيت باها لشتى أنواع الاستغلال والقهر من طرف الباطرونا الجشعة التي همها مراكمة الأرباح على حساب الحقوق البسيطة للعمال والعاملات وعدم الالتزام ببنود قانون الشغل في جانبه المتعلق بحقوق العمال والعاملات
يعد إقليم شتوكة آيت باها، الواقع في جهة سوس ماسة، أحد أبرز المناطق الزراعية في المغرب، حيث يمتد نشاطه الزراعي على مساحة تزيد عن 40 ألف هكتار، و يعتمد هذا الإقليم بشكل رئيسي على العمالة الزراعية المحلية، و التي تعاني من واقع صعب، فمع أن العاملا و العمال الزراعيون يشكلون نصف القوة العاملة النشيطة في الإقليم، ورغم أهمية دورهم في دعم الاقتصاد المحلي، إلا أن ظروف عملهم وأوضاعهم الاقتصادية تثير الكثير من التساؤلات، على مستوى الأجور، و ظروف العمل، والحماية الاجتماعية.
يعمل العاملات و العمال الزراعيون في شتوكة آيت باها في ظروف عمل تتسم بالشقّة والإجهاد البدني. حيث يتقاضون أجراً لا يتعدى 11 درهمًا للساعة، وهو أجر لا يتناسب مع حجم العمل الذي يقومون به، ولا مع ساعات العمل الطويلة التي قد تصل إلى 12 ساعة في اليوم خلال مواسم الذروة، مع العلم أنهم يعملون ستة أيام في الأسبوع، فإن راتبهم الشهري لا يتجاوز 2112 درهمًا، وهو مبلغ بالكاد يغطي احتياجاتهم الأساسية في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة.
هذه الأجور الزهيدة تضع العاملات و العمال الزراعيين في موقف اقتصادي هش، حيث يجد الكثير منهم صعوبة في تلبية حتياجات أسرهم من مأكل ومسكن وتعليم.
كما أن ساعات العمل الطويلة والإرهاق المستمر ينعكس سلبًا على صحتهم الجسدية والنفسية، فالأعمال الزراعية تتطلب مجهودًا بدنيًا كبيرًا وغالبًا ما تُمارس في ظروف مناخية قاسية تتفاوت بين درجات الحرارة المرتفعة خلال الصيف والبرد القارس في الشتاء.
بالإضافة إلى الأجور المتدنية وساعات العمل المرهقة،كما يفتقر العمال والعاملات الزراعيون في الإقليم إلى الحماية الاجتماعية، حيث أن عددًا كبيرًا منهم لا يتمتع بالتغطية الصحية أو التأمين الاجتماعي، ما يجعلهم عرضة لمخاطر صحية واقتصادية جسيمة، ففي حال تعرض أحدهم لحادث عمل أو مرض مفاجئ، فإنه يُترك وحيدًا دون دعم يُذكر، مما يزيد من معاناتهم ويضع مستقبلهم المهني والعائلي في خطر دائم.
أمام هذه التحديات الكبيرة، تبرز الحاجة إلى اتخاذ تدابير عاجلة لتحسين ظروف العاملات و العمال الزراعيين في إقليم شتوكة آيت باها،و تتجلى ضرورة تدخل السلطات في حوار جاد مع أرباب العمل من أجل مراجعة نظام الأجور وجعله متناسبًا مع تكاليف المعيشة المتزايدة،
إضافة إلى تحسين ظروف العمل حيث يجب أن يتم تقليص ساعات العمل خلال أيام الذروة وتوفير بيئة عمل أكثر أمانًا وصحة، مع توفير التجهيزات المناسبة التي تساعد العمال على أداء مهامهم دون تعريض صحتهم للخطر.
و أهم نقطة، هي توفير الحماية الاجتماعية فمن الضروري أن يتمتع جميع العاملات و العمال بالتغطية الصحية والتأمين الاجتماعي لضمان حمايتهم من المخاطر التي قد تنجم عن ظروف العمل الصعبة.
في نفس السياق، يجب أن تُتاح للعاملات و للعمال فرص للتدريب والتأهيل لاكتساب مهارات جديدة تفتح أمامهم آفاقًا مهنية أوسع وتزيد من فرصهم في الحصول على وظائف أفضل.
حوادث عاملات وعمال الزراعة تكشف انتهاكات خطيرة لقانون الشغل
ويعلاف إقليم اشتوكة أيت باها حوادث سير خطيرة لسيارات “بيكوب” التي تنقل العاملات والعمال الزراعيون في شروط غاية في الصعوبة، وتنطوي على الكثير من المخاطر، إذ خلفت في السنوات الماضية ولازالت عشرات الضحايا من عاملات وعمال زراعيين وهم متجهين صوب الضيعات الفلاحية.
وفي هذا الإطار كانت في وقت سابق، أنجزت جمعية “نساء الجنوب”، دراسة تحت عنوان “العاملات الزراعيات” بمنطقة خميس أيت عميرة، إقليم اشتوكة، أطهرت من خلالها المعاناة اليومية للنساء العاملات من الاستيقاظ المبكر على الساعة الرابعة صباحا، حيث يجتمعن في مكان معين لحوالي الساعة الخامسة لنقلهم إلى “الموقف” بالنسبة للمياومات بأجر يومي في حدود 60 درهما حسب مردودية كل موسم فلاحي على حدة في قطف تمار البرتقال وزرع البذور واقتلاع الحشائش، حيث يستمر العمل اليومي إلى غاية السادسة مساء.
وأضافت الدراسة، أن العاملات يتم التعامل معهن معاملة قاسية إن لفظيا أو حتى جسدية في بعض الأحيان، وأن يتم مواجهة بقسوة أي رد فعل احتجاجي يبدأ بالطرد والاستغناء عن خدماتهن، وفي ظروف عمل شديدة القسوة، يتم الطلب منهن منهن ملء صناديق قد يفوق عددها العشرين، وبعد الانتهاء من المهمة تغادر العمل منهكة بتعويض هزيل.
وعموما تعتبر الحصيلة الثقيلة لحوادث السير الناجمة عن سوء تدبير ملف نقل العمال الزراعيين من وإلى مقرات عملهم في اشتوكة آيت بها، يستدي ضرورة توفر الإرادة القوية وتدخل كافة المعنيّين من أجل وقف نزيف الأرواح والعاهات، بالنظر إلى تكلفتها الاجتماعية والنفسية والاقتصادية على آلاف الأسر المغربية، التي اختارت القطاع الفلاحي من أجل تدبير قوتها اليومي، بعد أن وجدت نفسها فاقدة للشغل أو تعيش حياة الترمل، من غير الاستفادة من تعويضات حوادث الشغل والحقوق المترتبة عنها.
في النهاية، إن العاملات و العمال الزراعيون في إقليم شتوكة آيت باها هم العمود الفقري للقطاع الزراعي في الإقليم.حيث يلعبون دورا جوهريا في الاقتصاد المحلي و الوطني بشكل عام، لكنهم في المقابل يواجهون تحديات كبيرة تؤثر على حياتهم اليومية، لذا فإن تحسين أوضاعهم ليس مجرد مطلب اقتصادي بل هو مسألة إنسانية واجتماعية ضاغطة، تستوجب تدخل السلطات وأرباب العمل لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير حياة كريمة لهذه الفئة التي تعمل بلا كلل، مقابل أجور هزيلة ولا تستجيب للحد الأدنى من الكرامة.