الرئسيةرأي/ كرونيك

الحكومة المغربية وماراثون أسعار المحروقات في وقت فعلا تنام فيه “سامير” في نوم عميق و أرباح الفاعلين تتسلق الجبال!

خرج علينا الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، في الوقت الذي يتطلع فيه المواطن المغربي إلى تعبئة خزان سيارته دون الحاجة إلى بيع كليته، ليزف لنا بشرى لا نعرف إن كانت سعيدة أم مأساوية: الحكومة تستطيع تخفيض أسعار المحروقات! نعم، قرأتم جيداً، "تستطيع"، لكن السؤال الأهم: لماذا لا تفعل؟

تحرير: جيهان مشكور

في مشهد سريالي يعيد إلى الأذهان أساطير الجشع التجاري، يصر الحسين اليماني على أن يقف أمام الحكومة مثل فارس يمتطي جواداً من الأرقام الاقتصادية، وكأنه يعيش في “حكاية ألف ليلة وليلة”، صارخا إن الحكومة يمكنها إنقاذ جيوب المغاربة إن هي فقط قررت العودة إلى تكرير البترول عبر إحياء شركة “سامير”.

شركة “سامير” تلك التي أصبحت أشبه بـ”المومياء”، نائمة في محيط المحمدية منذ سنوات، تنتظر قبلة الحياة من الحكومة، لكن، يبدو أن الحكومة مشغولة أكثر بتجميع الضرائب من المحروقات بدلاً من تجميع القوة لإحياء هذا الصرح البترولي المنسي.

و فيما أرباح الفاعلين تتسلل من جيوبنا، صرح الحسين اليماني في توضيح بليغ أن الحكومة التي تدّعي بأنها “دولة اجتماعية”، هي في الواقع “دولة جباية اجتماعية”، لماذا؟ ببساطة لأننا، نحن المغاربة، أصبحنا نشعر بأن جيوبنا تُفتح بمرسوم حكومي كلما أردنا تعبئة خزان الوقود، و يؤكد اليماني أن الفاعلين في قطاع المحروقات يواصلون جني أرباح “فاحشة”، مستخدمًا تعبيرات قد تجعلك تعتقد أن هؤلاء الفاعلين هم أبطال فيلم “سرقة القرن”، “توسُّع الاستثمارات” و”تناسل المحطات” و”تزايد الاحتياطات المالية”،

كلها عبارات تبدو كما لو أن الفاعلين في القطاع و الموزعين يربحون كما لو كانوا اباطرة نفط يجلسون على جبل من الدولارات، في الوقت الذي تستمتع فيه الحكومة وكأنها تشاهد مسرحية هزلية و لما لا؟ و على رأسها أكبر مستثمر في قطاع المحروقات في المغرب… بالله عليك يا حسين ماذا تنتظر؟ هل حقا تظن أن الحكومة تهتم؟؟ ام انك نسيت أن الحكومة تفضل شعار “دعه يغلي أكثر” على شعار “الدولة الاجتماعية”.!

اليماني، بعين الخبير، قدم لنا معادلة حسابية قد تُدرّس في كتب “كيف تخدع نفسك”، فوفقًا لحساباته، كان يجب أن يكون ثمن لتر الغازوال في المغرب لا يتعدى 9.83 درهم ولتر البنزين 10.92 درهم في شهر أكتوبر 2024.
لكن، تفاجأ بأن الأسعار الفعلية تقفز بأكثر من 2 دراهم! اليماني، بمنتهى الوضوح، أكد أن أرباحهم لا تقل عن 8 مليارات درهم سنويًا! لا عجب إذًا أنهم يبتسمون بينما نحن نتساءل كيف ندفع ثمن البنزين ونستمر في العيش.

و لا تتوقف الكوميديا هنا، ففي مشهد آخر لا يخلو من السخرية 38% فقط من سعر الغازوال يعزى إلى النفط الخام، بينما تُوزع بقية الكعكة السحرية بين أرباح الفاعلين (22%) والتكرير والضرائب والتوصيل (38%). وهنا، دعونا نتوقف لحظة ونتساءل: هل نحن نشتري وقودًا أم ندفع فاتورة مأدبة فاخرة لم تتم دعوتنا إليها؟

و على الجانب الآخر من الطاولة، من يستطيع نسيان مجلس المنافسة؟ تلك المؤسسة التي يُفترض أن تراقب وتحلل وتُنصف، لكنها في الواقع تقدم “تقارير منمقة”، وكأنها تدعو المواطنين لقبول الواقع المرير بابتسامة عريضة.

أما “الخبراء تحت الطلب”، فهم الأبطال الخارقون الجدد في مشهد التلاعب بالرأي العام، الذين يجلسون في مكاتبهم المكيفة ليقنعونا بأن “الأرباح الفاحشة” هي مجرد مصطلح مبالغ فيه، وأن الحياة ليست بهذا السوء.

اليماني لم يكتفِ بالنقد فقط، بل قدم للحكومة وصفة جاهزة لتخفيض الأسعار: تقليل أرباح الموزعين، إعادة تشغيل “سامير” (هل أحد من الحكومة يعرف طريقها؟)، وتخفيف الضرائب على المحروقات.

لكن يبدو أن هذه الوصفة تحتاج إلى حكومة ذات إرادة حقيقية، وليست مشغولة برفع شعار الدولة الاجتماعية وهي تراقب الأسواق تفترس القدرة الشرائية للمواطنين.

فبناءً على هذه الحسابات العبقرية، الحكومة تستطيع – لو أرادت بالطبع – تخفيض الأسعار، لكن لماذا تفعل ذلك وهي تحتفل في كل مرة بإنجازات “اجتماعية” جديدة تتناسب عكسيًا مع القدرة الشرائية للمواطن العادي؟ بالتأكيد، إعادة إحياء مصفاة “سامير” وفتح نقاش حول الثقل الضريبي على المحروقات قد يبدو كفكرة ثورية، لكن في بلد يعيش على مفارقات، يبدو أن هذه الفكرة ستظل في خانة الخيال العلمي

وفي ختام هذا العرض الساخر، لا يسعنا إلا أن نرفع القبعة لليماني، الذي ينادي بصوت عالٍ، و الذي لم يكتفِ بتفكيك هذا اللغز بل سلط الضوء على “الكوميديا السوداء” في ملف المحروقات.

إنه ببساطة، مشهد من مشاهد عبثية السياسة والاقتصاد، ثمرة زواج السلطة و المال التي تُنثر فوق رؤوس المغاربة، في وقت أصبحت فيه جيوبهم أكثر هشاشة من أي وقت مضى.

لكن ما لم تقرر الحكومة الاستيقاظ من سباتها العميق، فإن المواطن سيبقى يدفع ثمن “الحلم الاجتماعي” الذي لا يأتي إلا على الورق. “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى