الرئسيةثقافة وفنوندابا tv

رحيل الفنانة نعيمة المشرقي و نهاية فصل مضيء في تاريخ الفن المغربي +فيديوهات وصور

إعداد: جيهان مشكور

 “الأخت والرفيقة والصادقة والصدوقة و”لحبية مي” والمحبوبة والساكنة في كل القلوب المغربية الفنانة نعيمة لمشرقي في ذمة الله، رحمها الله وغفر لها وأسكنها فسيح جناته، إنا لله وإنا إليه راجعون”.

بهذه الكلمات ودع المخرج المغربي أحمد بوعروة عبر صفحته الرسمية على الفايسبوك، ابنة الدارالبيضاء الفنانة نعيمة التي كانت جزء من نهوض فني مسرحي وثقافي في بداية الستينات، فنانة مكافحة عشقت الفن عشقا صوفيا، وبدلت لصالحه جهدا مضنيا ونضاليا بكل تفاني ونكران ذات، لكن باعتزاز وافتخار، وهي من النساء اللواتي لم يكن ممارسة فعاليات الفن بالسهل في مغرب يومها، تماما كثريا جبران، زهزر المعمري، سعاد صبري، نزهة الركراكي، حبيبة المدكوري وأخريات…

غيب الموت عن عمر ناهز 81 عامًا، نعيمة المشرقي ومعها حياة زاخرة بالإبداع والعطاء الفني الذي امتد لأكثر من خمسة عقود، تركت خلالها بصمات لا تُمحى على خشبة المسرح وشاشة السينما والتلفزيون، ما جعلها واحدة من أبرز رموز الفن المغربي، بل بلا تردد يمكن نعتها بأيقون الفن المغربي النسائي.

ولدت نعيمة المشرقي في مدينة الدار البيضاء عام 1943، وسط عائلة متواضعة حملت بداخلها بذور الشغف بالف، انطلقت مسيرتها الفنية في بداية الستينيات، حيث كانت البدايات مع المسرح الذي كان بمثابة الركيزة الأولى لصقل موهبتها الفنية. شاركت في عدة أعمال مع فرق مسرحية رائدة، مثل “فرقة المعمورة” و”فرقة الإذاعة والتلفزة المغربية”، حيث تميزت بتقديم أدوار أثارت إعجاب الجمهور والنقاد على حد سواء، ما جعلها تفرض نفسها كواحدة من نجمات المسرح المغربي.

ومع مرور الوقت، توسعت آفاقها الفنية نحو السينما والتلفزيون، حيث برزت موهبتها بشكل لافت في أولى تجاربها السينمائية بفيلم “انتقام دون ميندو” (1962) للمخرج الإسباني فرناندو فرنان غوميز، و هذه التجربة كانت البداية فقط، لتواصل بعدها مشوارها الفني الذي حفل بالعديد من الأعمال المتميزة التي خلدت اسمها في ذاكرة الفن المغربي.

من بين الأفلام التي تألقت فيها، نجد “عرس الدم” (1977) للمخرج سهيل بن بركة، وهو فيلم يعكس قدرة المشرقي على تجسيد شخصيات معقدة بأداء يفيض بالعاطفة. كما قدمت أدوارًا مؤثرة في أفلام مثل “أيام شهرزاد الجميلة” (1982) لمصطفى الدرقاوي، الذي عكس جانبًا آخر من موهبتها، و”البحث عن زوج امرأتي” (1993) لمحمد عبد الرحمن التازي، وهو فيلم نال نجاحًا كبيرًا على مستوى الجماهير.

طوال مسيرتها، لم تكن نعيمة المشرقي مجرد ممثلة بارعة، بل كانت رمزًا للتفاني والالتزام تجاه قضايا المجتمع.
حظيت بتكريمات عديدة اعترافًا بإسهاماتها الكبيرة، منها وسام المكافأة الوطنية من درجة ضابط عام 2012، إلى جانب تكريمات في مهرجانات سينمائية مغربية ودولية، مما يعكس مكانتها البارزة في المشهد الفني.

بعيدًا عن التمثيل، كانت المشرقي ناشطة بارزة في مجال حقوق الطفل، حيث شغلت منصب سفيرة للنوايا الحسنة لدى اليونسيف، كما كانت مستشارة للمرصد الوطني لحقوق الطفل، ورئيسة مساعدة بالنقابة الوطنية لمحترفي المسرح، هذه الأدوار الاجتماعية والإنسانية كانت جزءًا لا يتجزأ من شخصيتها الملتزمة بقضايا المجتمع، ما جعلها قدوة للعديد من الفنانين الشباب.

اليوم، برحيل نعيمة المشرقي، يفقد المغرب واحدة من أعمدته الفنية التي ساهمت في إغناء الثقافة المغربية وإبرازها للعالم. إن إرثها الفني سيظل خالدًا، وستظل ذكراها حاضرة في قلوب كل من عرفها وعشق فنها. لقد كانت أكثر من فنانة؛ كانت رمزًا للقوة والإلهام، وأعمالها ستظل شاهدًا على موهبتها الفذة وعطائها اللامحدود.

بكل أسى، نودع نعيمة المشرقي، ولكن حضورها سيبقى خالدًا في أعمالها التي ستظل تنير درب الأجيال القادمة، وسيبقى اسمها محفورًا في ذاكرة الفن المغربي كشعلة لا تنطفئ.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى