فوجئ المئات من مديري المدارس الابتدائية، الخميس 7 نوفمبر، بمفارقة جديدة تضاف إلى سجل “التطوير” التعليمي، فبعد ترقب طويل لإطلاق مشروع “التعليم الصريح”، و الذي كان من المفترض أن يبدأ في 11 نونبر الجاري، تبين أن “عدة التعليم” لا تزال عالقة في أروقة الانتظار، غير مكتملة، وكأنها تنتظر إذناً سحرياً لتصبح جاهزة بين عشية وضحاها، في مشهد يبدو مألوفاً في يوميات التعليم بالمغرب.
مدراء المدارس الذين استلموا دفعات أولية من الكراسات، صُدموا حين علموا بأن المستويات الأساسية الأخرى ما زالت قيد الإنتاج والمصادقة، ولن تصل إلى أيدي التلاميذ في الوقت المحدد، هذا و من المفترض أن توزع هذه الكراسات على أكثر من ثلاثة ملايين تلميذ في 2626 مؤسسة تعليمية، ولكن يبدو أن هذا العدد الكبير من التلاميذ سيبقى، كما اعتاد، يواجه رحلته الدراسية بأدوات ناقصة منقوصة.
تقف وزارة التربية الوطنية على خشبة الريادة، في مشهد مزرٍ، ممسكة بيدين مرتجفتين بـ”عدة التعليم الصريح”، المبتورة والمجزوءة، وهي تقدم وعداً مشوباً بالآمال المهزوزة بأن بداية رحلة الإصلاح الموعود ستكون عبر هذه “العدة” التي لم تكتمل بعد، هكذا، وبينما يستعد مئات الآلاف من التلاميذ، والأسر، والأساتذة، لاختبار فصول جديدة من فصول هذه القصة، يظل الواقع معلقاً على موائد الانتظار، ينتظر وصول تلك الكراسات.
في هذا السياق، و بينما تسعى الوزارة لتقديم تفسيرات متنوعة عن أسباب التأخير، من “مشاكل في الصفقة” إلى “خلل في التنسيق بين الأكاديميات”، تزداد الأسئلة حول كيفية إدارة مشروع ضخم يعد حجر الزاوية في خارطة طريق الوزارة 2022-2026، والذي كان من المتوقع أن يعزز من جودة التعليم في المؤسسات التي تم اختيارها لتطبيق هذا البرنامج التجريبي.
إذ يبدو أن “الريادة” في هذا السياق لا تتعلق فقط بتحقيق نتائج ملموسة، بل في ريادة الفشل في إدارة مشاريع ضخمة.
في السياق ذاته كشف مصدر مطلع أن المشروع الذي كانت تعول عليه وزارة التربية الوطنية في رفع جودة التعليم، تحول إلى مصدر حيرة و ارتباك، فالتأخير الذي يشمل مواد أساسية مثل الرياضيات واللغتين الفرنسية والعربية، يضع الأساتذة والمفتشين والمدراء أمام معضلة تشغيلية؛ كيف يمكنهم تسيير الدروس وفق رؤية خارطة الطريق 2022-2026 دون أدواتها؟
في مواجهة هذا الوضع، لجأت الوزارة إلى حلول رقمية مؤقتة، حيث طلبت من فريق الإنتاج المركزي تجهيز عروض إلكترونية “PPT” لتكون بديلاً مؤقتاً عن الكراسات،
هذه الشرائح الإلكترونية سيتم وضعها على مسطحة “الريادة” في منظومة “مسار”، على أمل أن يسد هذا البديل الرقمي ثغرات العدة المفقودة، وكأن التكنولوجيا ستحل بين عشية وضحاها أزمة هيكلية، متناسية أن معظم المدارس، خاصة في المناطق النائية، بالكاد تحتوي على إنترنت سريع أو معدات حديثة.
ولعل هذه القصة ليست سوى حلقة أخرى من مسلسل الطموحات التي تغوص في وحل التنفيذ. إنه تعليم “ريادي” ولكن بلا عدة، وتطوير “طموح” ولكن بلا أدوات، ووعودٌ “واعدة” تتبدد بين طيات التأخير والأخطاء الإدارية