الاستحقاق أقل مما طالب به وزير العدل… وهبي كرامتي أكبر أنا لا أساوي مليارا
هذا ما قررته المحكمة الابتدائيّة بالرباط لصالح وزير العدل، عبداللطيف وهبي. هذا الأخير كان قد طالب بمليار سنتيم، في مواجهة الصحافي حميد المهداوي، وقال في مقابلة مع الزميل يونس مسكين بمنصة “صوت المغرب”: كرامتي فوق المليار وتواضعت وطالبت بمليار”. جواب المحكمة كان أن الاستحقاق هو 150 مليون سنتيم كتعويض فقط.
وزير العدل المغربي وضع نفسه في مأزق، عندما حدد سقف “كرامته”، تاركا للقضاء صلاحية تحديد ذلك. فهل يقبل بحكم المحكمة؟
لنطرح السؤال، ماذا لو حكمت المحكمة ب 10 دراهم أو 200 أو ألف درهم كاستحقاق لكرامة الوزير، فهل كان السيد عبداللطيف وهبي سيقبل أو سيرضى بهذا السقف. أليس هذا مأزق؟
لنترك الحيثيات القانونية للملف، فهناك عدة آراء في هذا الجانب. نريد مساءلة السيد الوزير عن المعنى السياسي لتحركه، عن الجانب والأثر السياسي. وأظن أن المعنى والأثر السياسي ربما أخطر بكثير من الجانب القانوني. ذلك، أن محكمة الاستئناف قد يكون لها رأي آخر، وربما قد يقضي الصحافي عقوبته الحبسية ويدبر أمور التعويض عن الكرامة لصالح الوزير، أقصد 150 مليون فقط كاستحقاق.
لكن، الجانب السياسي خطير، بالمفهوم النظري لتمثل الممارسة السياسية السليمة واثرها على الرأي العام، وكيف يجب أن تكون عليه ممارسات الشخصيات العمومية.
خطير ومهم، بما له من امتداد في الزمن القادم، وما له من أثر وتداعيات على مستوى حزب الوزير وكيفية استقبال الرأي العام لخطوات وتصرفات السيد وزير العدل.
هل استحضر السيد الوزير كل هذا؟ هل أخد بعين الاعتبار تأثيرات الملف على صورته وصورة الحكومة وصورة حزبه على الرأي العام، أي على الناخب؟.
لنفحص ذلك، في ظرف سنة أقدم السيد وهبي على إرسال صحافيين اثنين إلى السجن( الصحافي رضى الطاوحني حصل على العفو الملكي). هو ليس أي وزير، إنه وزير العدل. ثم هل كان يبحث عن الإنصاف وهو يطالب بمليار ؟ ألا يسقطه ذلك في الانتقام، وهو وزير للعدل،؟
أي رسالة يريد وزير العدل أن يبعثها للرأي العام، وهو يرسل صحافيا للسجن بعد شهور من عفو الملك عن مجموعة من الصحافيين؟
رجل السياسة وأي شخصية عمومية يعلم جيدا أنه سيكون في مواجهة مدافع النقد والمساءلة، وحتى المبالغة في النقد، هذا تمرين ديموقراطي و”تأمين” ضد تغول السلط و ارتخائها وشططها، كما هو ضمانة وتحفيز لدافعي الضرائب في التببع والمساءلة. وتمرين لجدوى السياسة.
لا يظهر أن السيد وزير العدل، كان حريصا في تقدير حاجة الممارسة السياسية والعمومية، التي يتفق الجميع على صورتها السلبية لدى للمواطنين، لنفس جديد مغاير و شكل جديد من التدبير.
لم يجرب، ولم يلجأ لمؤسسات الوساطة المهنية، من نقابة ومجلس الصحافة. كما لم يفعل ولم يستنفذ الآليات التي تضمنها له أخلاقيات المهمة، من توضيح وبيان حقيقة…
أعطى وزير العدل صورة رجل عمومي منفعل، يبحث عن الانتقام، متربص بكل ما ينشر عليه، لا يقدر الآثار السياسية لتحركاته وتصرفاته..
شاهدت السيد الوزير في مقابلته مع منصة “صوت المغرب”، لم أجد فيه رجل السياسة، ولم يكن يتكلم كرجل سياسية. كان باردا مثل وزير قادم من الحقبة البريجنيفية. كان مثل أي تيكنوقراطي، لا يظهر عليه أنه منشغل ويقدر آثار تصريحاته وتصرفاته على رصيده كشخصية عمومية ولا على رصيد حكومته وشعبيتها ولا على صورة حزبه.
رجل السياسة يقدّر الخسائر وعينه تتطلع نحو نتائج الاستطلاعات القادمة، يتحرك بصدر رحب يتجنب الانفعال والنرفزة، منشغل بأثر رسائله لدى المتلقين، الناخبين ودافعي الضرائب. التيكنوقزاطي يقال إن دمه أبيض بارد، بدون مشاعر سياسية، لا تشغله الآثار السلبية.
قبل السيد وهبي، كان زميله في الحزب والحكومة، وزير التعليم العالي السابق، قد تسبب في سنة بيضاء بكافة كليات الطب بالمملكة، نخب البلاد الصحية، تجرأ على فعل ذلك دون أن ينشغل، ولو لثانية واحدة، بتأثير ذلك على صورة الحكومة وحزبه لدى الرأي العام، بمعنى أنه تصرف بدون أن يقدر طريقة معالجته لملف طلبة الطب وطب الأسنان على السياسة، على صورة السياسة وصورة الاحزاب والوزراء في بلد انحدرت فيه قيمة السياسة إلى الحضيض..
ما يهمني في ملف متابعة المهداوي هو الجانب السياسي، وصورة رجل السياسة. لم يظهر أن السيد وزير العدل وهو يقاضي صحافيين في عام واحد ويتسبب في سجنهما، ومطالبته بالمليار، أنه كان يقدر الانعكاسات السياسية.
هذه اللامبالاة وعدم تقدير وعدم الخوف من التأثيرات السياسية لتصرفات وخطوات الوزراء، والحكومة، وعدم انشغالهم بنظرة الرأي العام، تعطي إشارة واضحة للجميع: هناك اطمئنان من أن التدبير السياسي والحكومي لا يؤثر في صناديق الاقتراع. وأن الانتخابات لها آليات وديناميكيات لا علاقة لها بطبيعة التدبير السياسي ولا بصورة السياسي. ولا علاقة لها بانعكاسات تدبير الحكومة والوزراء على الرأي العام، على الناخب..
هذا هو الأثر السياسي الخطير الذي يهمنا في هذا الملف.