أمستردام.. أزمة رياضية تكشف عن ازدواجية المعايير والتمييز العنصري في أوروبا ووزيرة من أصول مغربية تستقيل
شهدت العاصمة الهولندية أمستردام الأسبوع الماضي سلسلة من الأحداث التي بدأت بهتافات عنصرية وتحولت إلى أزمة سياسية واجتماعية، بل بشكل أدق أزمة قيم عميقة، سلطت الضوء على تباينات صارخة في تعامل السلطات والإعلام الغربي وسياسته مع قضايا المهاجرين والجاليات العربية والإسرائيلية، والتي لم تتحرر بعد من طابعها الاستعماري.
بدأت القصة في السادس من نوفمبر 2024، عندما اندلعت توترات بين مشجعي فريق “مكابي تل أبيب” الإسرائيلي وسكان من أصول عربية ومغربية قبل مباراة رياضية ضد فريق “أياكس أمستردام”، حيث ردد مشجعو الفريق الإسرائيلي شعارات عنصرية مستفزة مثل: “الموت للعرب”، و “غزة بلا أطفال”، ” وانكحوا المسلمين” كما قاموا بتمزيق الأعلام الفلسطينية المعلقة على شرفات المنازل.
ووفقًا لشهود عيان وتقارير موثوقة، تحولت هذه الاستفزازات إلى أعمال عنف في شوارع أمستردام. وجاءت ردود الفعل من الجالية العربية في المدينة كرد فعل على الاعتداءات العنصرية المتكررة.
لكن الأكثر استفزازا كان الشكل الذي تناولت به وسائل الإعلام الغربية الأحداث، حيث أثارت انتقادات واسعة من الجمعيات الحقوقية والديمقراطية، فقد ركزت العديد من وسائل الإعلام على تحميل الجالية العربية المسؤولية عن العنف، مصورة ردود أفعالهم الدفاعية بأنها “معادية للسامية”و بأنها همجية و عنف لا مُبرر.
في هذا السياق، وصفت الناشطة الحقوقية الهولندية، كيم فان ديك، تغطية الإعلام الغربي بأنها “انحيازية ومضللة”. وأضافت في تصريح صحفي: “ما يحدث هو محاولة لتشويه صورة المهاجرين العرب مع التغاضي عن الاستفزازات العنصرية الموجهة إليهم”.
هذا و أصدرت جمعيات حقوقية وديمقراطية بارزة في هولندا بيانًا قويًا أدانت فيه ما وصفته بـ”ازدواجية المعايير” في التعامل مع أحداث أمستردام، وأكدت أن التصرفات التي صدرت عن مشجعي الفريق الإسرائيلي ليست مجرد أفعال فردية بل تعكس استراتيجية صهيونية مستمرة لتأجيج التوترات العرقية.
و جاء في البيان: “ما حدث هو نتيجة لسياسة متعمدة تهدف إلى الاستفزاز وإثارة الكراهية ضد الجاليات العربية والمسلمة، خاصة المغاربة الذين يشكلون جزءًا لا يتجزأ من المجتمع الهولندي”، وطالبت الجمعيات بمحاسبة المسؤولين عن هذه الأحداث، سواء من المشجعين الإسرائيليين أو السلطات التي تقاعست عن أداء دورها،
كما استنكرت في بيان مشترك التحيز الإعلامي وتواطؤ الشرطة الهولندية : “تصاعدت الأحداث بسبب فشل السلطات الأمنية في التدخل الحازم ضد الشعارات العنصرية والاستفزازات التي أطلقها مشجعو مكابي تل أبيب، نرفض تحميل المهاجرين العرب مسؤولية ردود أفعالهم على هذه الاستفزازات العنصرية”.
هذا و دعت الجمعيات الحقوقية في هولندا إلى فتح تحقيق مستقل حول تصرفات الشرطة والإعلام، و طالبت بتقديم دعم قانوني للمهاجرين الذين تم اعتقالهم خلال الأحداث.
البرلمانية السابقة إيمان اليعقوبي، طالبت بتشكيل لجنة من المحامين للدفاع عن المتهمين، مؤكدة أن “ما جرى هو محاولة لتكميم أفواه المهاجرين وإظهارهم كعنصر مهدد للأمن العام”.
سياسيًا، كان لهذه الأزمة تداعيات كبيرة، حيث استقالت وزيرة التكامل والشؤون الاجتماعية، أشاحبار، وهي هولندية من أصول مغربية، الاستقالة جاءت بعد تصاعد الانتقادات من داخل الحكومة وخارجها بشأن طريقة تعاطي السلطات السياسية مع القضية.
في بيان استقالتها، قالت أشاحبار:”لقد واجهت ضغوطًا سياسية وإعلامية شديدة على خلفية تعامل الحكومة مع حقوق المهاجرين والمساواة في المجتمع، لا يمكنني الاستمرار في موقع لا يُنصف الجاليات المستهدفة”.
و بذلك سلطت الضوء على العنصرية الممنهجة داخل أروقة السياسة الهولندية.
في هذا السياق، صرّح الإعلامي المغربي عبد الصمد بنعباد: “استقالة الوزيرة ليست سوى انعكاس لتخلي الحكومة الهولندية عن حماية الجاليات المهاجرة أمام الضغوط الإعلامية والسياسية”.
وأضاف الحقوقي المغربي جلال عويطة معلقا على الأحداث قائلاً: “ما شهدته أمستردام هو انعكاس واضح للمعايير المزدوجة في التعامل مع قضايا التمييز العنصري، ردود الأفعال العربية كانت طبيعية بالنظر إلى الاستفزازات المستمرة”.
أما الناشطة الحقوقية الهولندية نينا هارتمان، فأكدت أن “الشرطة فشلت في حماية السكان العرب والمغاربة من الاعتداءات العنصرية، مما يعكس التمييز المؤسسي الذي يعاني منه المهاجرون في أوروبا”.
على صعيد آخر، واجهت الشرطة الهولندية اتهامات مباشرة بالتساهل مع مشجعي مكابي تل أبيب، حيث سمحت لهم بنشر الكراهية علنًا دون تدخل يُذكر، فيما وصف ناشطون هذا الموقف بأنه “إعطاء حصانة للصهاينة وتهميش واضح للمهاجرين”.
بينما يستمر الإعلام الغربي في تبني رواية أحادية الجانب، تتزايد الضغوط على الحكومات الأوروبية لإعادة النظر في سياساتها تجاه المهاجرين وضمان الحماية المتساوية لجميع الفئات، فما حدث في أمستردام ليس حادثة معزولة، بل يكشف عن مشكلات أعمق تتعلق بالاندماج والتمييز في أوروبا، فالازدواجية في التعامل مع الجاليات المهاجرة والجماعات المؤيدة لإسرائيل تزيد من حدة الانقسام الاجتماعي، وتثير تساؤلات حول مصداقية الحكومات الأوروبية في الدفاع عن قيم المساواة وحقوق الإنسان.
كما تضع أوروبا أمام تحديات متزايدة تتعلق بالعنصرية وازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا المرتبطة بالمجتمعات المهاجرة. وفي حين تستمر الاحتجاجات على هذه السياسات، يبقى السؤال مفتوحاً حول مدى استعداد الحكومات الأوروبية لتبني سياسات شاملة تكفل العدالة والمساواة لجميع مواطنيها، بغض النظر عن أصولهم.