سيارت الأمن تحاصر المكان، والعين الراصة تراقب كل حركة، فيما تظل العاملات صامتات، مقهورات، يبحثن عن رزق يومهن تحت سطوة الخوف والرقابة.
هؤلاء النساء، اللاتي يشكلن عصب الزراعة، يخرجن قبل الفجر ليواجهن مشاق العمل وأهوال الطريق، معظمهن بلا عقود عمل تضمن حقوقهن، ولا تأمين صحي يحميهن من الإصابات والحوادث الطرقية الناتجة عن نقلهن في ظروف لا إنسانية، والتي باتت جزءًا من حياتهن اليومية.
أجورهن الزهيدة بالكاد تكفي لسد رمق أسرهن، لكنهن رغم ذلك يواصلن العمل بصمت، في ظل غياب قوانين تحميهن أو نقابات ترفع أصواتهن.
ومن جهتها الباطرونا مستمرة في نهج سياسة الاستعلاء، لتصف الاحتجاجات بأنها “أعمال شغب”، حيث في بيان لجمعية “أبيفيل” الذي لم يكتفِ بتجاهل المطالب الحقيقية للعمال، بل عمد إلى تبرير التدخل الأمني والقمع الممنهج بحجة “حماية القطاع” من الشغب.
إن ما يجري في مواقف تجمع العاملات الزراعيات بشتوكة ايت باها، ليس مجرد إجراءات أمنية، بل هو انعكاس لسياسة قمعية تعمد إلى إسكات أصوات الضعفاء قبل أن تجرؤ على المطالبة بحقوقها.
الحضور الأمني المكثف يحمل رسالة واضحة: المطالبة بالعدالة هي جريمة، والبحث عن حياة كريمة هو تهديد للنظام.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: من يهدد من؟ هل تهدد هؤلاء النساء، اللواتي يكدحن من أجل لقمة العيش، استقرار الدولة؟ أم أن النظام، الذي يغض الطرف عن معاناتهن اليومية، هو التهديد الحقيقي للعدالة الاجتماعية؟
إن الانشغال بمراقبة تجمعات العاملات الزراعيات بدلاً من تحسين ظروف عملهن يظهر بوضوح أي نوع من الأولويات يحكم السياسات العامة. لا حوار، ولا مبادرات للإصلاح، بل مجرد قمع يخفي عجزًا عن مواجهة المشكلات الحقيقية. هذا ليس أمنًا، بل هروب من المسؤولية.
جدير بالذكر أن الطبقة العاملة في البلاد تعيش تحت وطأة استغلال مزدوج من جهة أرباب العمل الذين يستغلون ضعفها وجهلها بالقوانين، ومن جهة الدولة التي ترى فيها تهديدًا محتملاً بدلاً من أن تكون شريكًا في التنمية.
وبين الاستغلال والقمع، تُهدر الكرامة الإنسانية على مذبح المصالح الاقتصادية والسياسية.
لقد حان الوقت لتحويل أعيننا من المواقف التي تراقبها السلطات إلى ساحات العمل حيث تئن هذه العاملات تحت وطأة الظلم. الدفاع عنهن ليس خيارًا، بل واجبًا إنسانيًا وأخلاقيًا.
وإذا كان الإنزال الأمني هو الجواب الوحيد للدولة، فإن السؤال الأهم هو” من يحمي العاملات الزراعيات من الدولة نفسها؟”