الرئسيةثقافة وفنون

دافيد كرونينبرغ.. مهندس “رعب الجسد”

مراكش/بقلم: بسمة الرياضي (ومع)

بوصفه معلما في صنف السينما السيكولوجية والتحول الجسدي، يعتبر المخرج الكندي دافيد كرونينبرغ أحد الوجوه المتفردة في السينما المعاصرة، حيث يرتبط صيته بما يسمى ب “رعب الجسد”، كلون من ألوان سينما الرعب، يركز على التشوه والتحول والبتر على مستوى بنيان الجسد البشري.

يحظى المبدع الذي رأى النور عام 1943 في تورونتو، والذي يخصه المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، بالتكريم، بتقدير ذائع نظير رؤيته المتفردة للسينما وخصوصية أفلامه التي تنبش في مواضيع معقدة تمزج الجسدي بالسيكولوجي والفلسفي، بما جعله مرجعا رفيعا في مجال سينما المؤلف.

درس دافيد، الذي ولد لأب كاتب وأم موسيقية، اللغة الانجليزية قبل أن يتوجه الى السينما. وفي رحاب جامعة تورونتو، شحذ الرجل ذائقته الفنية وطور شغفه بالأدب والسينما قبل أن يتوغل في استكشاف عوالم بصرية غير معتادة تخلخل القوالب الجاهزة.

لقد سعى دوما إلى التنقيب في الأغوار المظلمة للكيان البشري، غالبا عبر استخدام الجسد ككناية عن القلق والتحولات الاجتماعية والسيكولوجية في أفلامه، المستفزة و المزعجة، بحس فلسفي يجعل منها صادمة ومادة خصبة للتفكير، على غرار أفلامه الشهيرة “Shivers” (1975)، “The Fly” (1986)، “Dead Ringers” (1988).

كما اكتست معضلة التكنولوجيا في صلتها بالكينونة الإنسانية حضورا طاغيا في مجمل أعماله، خصوصا Videodrome (1983) حيث أصبح التلفزيون امتدادا للجسد والروح، و”eXistenZ” (1999) ” الذي يسائل الحدود بين الواقع والافتراضي.

ينهل كرونينبرغ أيضا من المزج بين الأنواع وحبك التلاقح بين الرعب والخيال العلمي والدراما النفسية لكسر توقعات المشاهد، من خلال أسلوب بصري يميل الى التقشف، وبدقة جراح يحرك أوتار الترقب والقلق.

يقول المخرج الكندي الذي حل ضيفا على فقرة “حوارات” في إطار الدورة ال21 المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، بنبرة هادئة ورصينة، إن مساره الأكاديمي، المتمحور حول الأدب والتحليل، أثر عميقا في مقاربته السينمائية وخصوصا في الطريقة التي يستدمج بها العناصر الفلسفية والسيكولوجية في أفلامه.

وأوضح أن اهتمامه بالسرديات الأدبية وقضايا الوجود البشري اضطلع بدور محوري في إضفاء العمق على أعماله التي تستدعي فعلا تأمليا بعيد الأفق.

بالنسبة لكرونينبرغ، فإن “رعب الجسد” هو في ذات الآن وسيلة لتوليد صدمة بصرية وتفكير معمق حول الطبيعة الانسانية وحدودها، من خلال تصوير تحولات جسدية مشوهة، غالبا عنيفة ومربكة، تسائل الحدود بين البشري واللابشري.

هذا النوع يستخدم، على حد قوله، لمقاربة مواضيع عميقة مثل الخوف والموت والتحول والجنسانية والقلق الوجودي.

وخلص المخرج الى أنه اهتم كذلك ببحث متواصل عن الحقيقة الكامنة خلف المظاهر ورغبة في فهم ما يختبئ تحت السطح، سواء في الفكر البشري أو في المادة الجسدية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى