يستمر المغرب في حمل عبء تصنيفه ضمن الفئة الثالثة في “مؤشر حقوق العمال العالمي” لعام 2024، وهو ما يعكس واقعًا مقلقًا لحالة حقوق العمال في البلاد.
هذا التصنيف، الذي يصدر عن الاتحاد الدولي لنقابات العمال (ITUC)، يفضح حقيقة مريرة تتجلى في انتهاكات عمالية منتظمة تكاد تكون مبرمجة أكثر منها مجرد أحداث عرضية، فهذا المؤشر يُعبر عن شيوع تدخل الحكومات والشركات في حقوق العمال،و يعكس حالة تتجاوز حدود السهو لتصبح سياسة ممنهجة لخلق نظام عمل غير متوازن، تسوده أوجه القصور القانونية والممارسات القمعية.
من الغريب أن نتحدث عن القرن الحادي والعشرين في بلد يُمنع فيه القضاة من تشكيل نقابات أو حتى الانضمام إليها.
أيّ حرية وأيّ عدالة يمكن أن تزدهر عندما يُحرم أكثر من يُفترض بهم الدفاع عن القانون من أبسط حقوقهم؟ حرية التنظيم، التي تُعتبر في القانون الدولي حقًا أساسيًا، تُختزل في المغرب إلى مجرد حلم بعيد المنال، كأنها امتياز حصري لا يُمنح إلا للأكثر حظًا أو ولاءً، حيث تواجه النقابات العمالية عراقيل جمة في تسجيلها القانوني، مُحاولةً اجتياز متاهة بيروقراطية لا نهاية لها، لتجد نفسها بلا قوة حقيقية لحماية العمال أو الدفاع عن مصالحهم، في خطة ممنهجة لتفريغ العمل النقابي من معناه وتحويله إلى واجهة شكلية.
وفي سياق أوسع، تحتفظ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بموقعها “المتميز” كصاحبة أسوأ معدل عالمي لحقوق العمال بمتوسط 4.74.
فيما يبدو و كأن المنطقة تتنافس بشراسة على الصدارة، ولكن هذه المرة في مضمار الانتهاكات، حيث تنعدم حقوق تشكيل النقابات والمفاوضة الجماعية بشكل شبه تام. ولعل من السخرية الاقدار أن يضع التقرير المغرب في سياق دول أخرى كميانمار وسوريا، حيث تنهار سيادة القانون تمامًا.
و في الوقت الذي يظهر فيه التقرير تحسنًا في دول كالبرازيل ورومانيا، يبدو المغرب وقد اختار أن يكون جزءًا من العالم الذي يدور إلى الوراء، فعدم تسجيل أي تحسن مقارنة بالعام الماضي ليس مجرد رقم عابر،بل هو شهادة على استمرارية نهج يغذي التهميش والحرمان، ويُبقي العمال أسرى نظام قانوني واجتماعي لا يكاد يعترف بوجودهم ككيان له حقوق.
وعلى الصعيد العالمي، يستعرض التقرير مشهدًا كئيبًا لا يختلف كثيرًا عن البقية ف87 % من الدول تنتهك حق الإضراب، و75% تمنع العمال من تشكيل النقابات أو الانضمام إليها، أما العدالة، فهي غائبة عن 65% من البلدان، حيث الوصول إليها بالنسبة للعامل أشبه بمحاولة صيد الريح.
من جهته صرح الأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال، “لوك تريانغل” ، في محاولة منه لبعث الأمل وسط ركام من الانتهاكات للحقوق، دعا إلى حركة نقابية عالمية عابرة للحدود قادرة على مواجهة طوفان السياسات القمعية.
دعوته للتضامن النقابي تبدو ملحة، لكنها تطرح سؤالًا مريرًا: كيف يمكن لنقابات تعاني الأمرّين داخل حدودها أن تُمد يد المساعدة لنظيراتها خارجها؟ إنها معادلة أشبه بمحاولة بناء جسر من أطراف ممزقة.
ومع ذلك، لا يفقد التقرير حسّه الأخلاقي، حيث يضع الحكومات أمام مسؤولية الإصلاح، مشددًا على أن حقوق العمال ليست مجرد مسألة قانونية أو اقتصادية، بل هي جزء لا يتجزأ من حماية الديمقراطية نفسها.
لكن كيف يمكن إقناع حكومات تتعامل مع حقوق العمال وكأنها عبء ثقيل بأن الديمقراطية لا تزدهر إلا فوق أرضية من العدل والمساواة؟ يبدو أن الإجابة ستظل عالقة، طالما أن العامل يظل مجرد رقم في إحصائيات، أو ترس في ماكينة لا تهتم سوى باستمرار دورانها.
هذا المشهد العالمي يُبرز تراجعًا حادًا في الحريات الأساسية المرتبطة بالعمل، مما يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل العدالة الاجتماعية في عالمٍ يبدو أنه يميل أكثر نحو قهر المستضعفين.