الرئسيةرأي/ كرونيك

طنجة..صفعة على جسد فتاة وعنف متواصل بالمدينة

بقلم: بثينة المكودي

في طنجة، حيث المدى مفتوح على البحر والهواء مشبع بملح الذكريات، سقط قناع الأمان عن فضاء يفترض أن يحتضن الخطى، لا أن يلاحقها بالعنف.

كانت الشابة تمشي على كورنيش المدينة رفقة صديقتها، حين تسلّل الغدر على دراجة نارية وامتدّت يد لتصفعها على مؤخّرتها وتفرّ،وفيديو على مواقع التواصل الإجتماعي يوثق الإهانة، لم تكن مجرد صفعة بل اعتداء صريح على الجسد على الحرية على فكرة أن تكوني امرأة وتمشين دون خوف.

لم تكن الواقعة فريدة ولا استثنائية

قبل سنوات فقط، في وضح النهار، جُردت فتاة من ملابسها في الشارع العام بمدينة طنجة أمام أعين المارة وكاميرات هواتفهم التي لم تتدخل بل اكتفت بالتصوير،وتحوّلت الضحية حينها إلى موضوع شماتة ولوم،وتحرش جماعي  بينما ظلّ المعتدون أحرارا.

اليوم، التاريخ يعيد نفسه بلغة مختلفة؛

ذات الجسد وذات الفضاء وذات الإحساس بالمهانة.

إن ما تعيشه شوارع طنجة  عنف يومي مغلف بما يُسمى في الثقافة الذكورية الطبيعية.

فماذا ينتظر من مجتمع يدرّب فتيانه على أن الرجولة تقاس بكمّ السيطرة والاقتحام، يصبح من الطبيعي أن تختزل المرأة في جسد وأن تعامل كملك مشاع، وأن تُروّض منذ صغرها على الخوف والمراوغة والصمت.

الصفعة في طنجة لم تكن فعل فردي، بل تعبير عن بنية كاملة تسمح للمتعدّي بأن يفرّ، وتحمل الضحية عبء الفضيحة، وتطلب منها الصبر حفاظا على كرامة لا يحرسها أحد.

القانون المغربي، في الفصل 503 مكرّر، يُجرّم التحرش في الفضاءات العامة، ويعاقب عليه بالحبس والغرامة.

لكن ماذا يعني هذا النص إذا تُرك بدون تفعيل، وإذا لم تُفعّل الكاميرات التي توثق ولا تحمي، ماذا يعني حين تستمر النساء في تلقّي الضربات، لا فقط على الأجساد، بل على الشعور بالانتماء والمواطنة والأمان، القانون موجود، لكن الإرادة غائبة، والعدالة حين تتأخّر، لا تكتفي بالتقصير، بل تتواطأ بالصمت.

من الجانب الحقوقي

العديد من الجمعيات النسائية والحقوقية، من بينها تحالف ربيع الكرامة وفدرالية رابطة حقوق النساء، أكّدت أنّ هذا الفعل يُعدّ شكلًا من أشكال العنف الجندري العلني، يتقاطع فيه التحرش الجسدي مع استعراض القوّة في فضاء عمومي يُفترض أن يكون مشتركا، وترى هذه الهيئات أنّ التحرش ليس سلوكا فرديا بل نتيجة ثقافة تُربّي على الإفلات من العقاب، وعلى لوم الضحية، وعلى تشييء المرأة بدل احترامها.

أما المدينة التي تصمت، فهي مدينة تتواطأ

طنجة ليست مجرد خلفية جغرافية لهذا الحدث، بل تتحوّل اليوم إلى مرآة لما نخشاه، مدينة تصمت حين تُصفع فتياتها، وتتراجع حين تُهان أجسادهن.

وجدير بالذكر ان الفضاء العام ليس فقط ممر للمارّة، بل اختبار يومي للعدالة، وللتربية ومقياس للمجتمع، والشارع الذي لا يحمي يتحوّل إلى ساحة حرب رمادية بلا إعلان.

كم من مرّة سمعنا عن قصص مشابهة.

كم من مرة تم التستر على التحرش بدعوى الحفاظ على سمعة الفتاة أو المصلحة العامة.

السكوت عن هذه الجرائم لا يبقي النساء في خطر فحسب، بل يعيد إنتاج العنف كل يوم، ويمنح الجناة ضوءا أخضر لمواصلة عربدتهم.

ماذا نحتاج الآن

نحتاج إلى عدالة سريعة وواضحة تُعلن اسم الجاني وتُحاكمه، لا أن تسمح له بالاختفاء، نحتاج إلى تعليم يعيد بناء علاقة الاحترام بين الجنسين منذ الطفولة، لا أن يُكرّس موروثات القهر والسطوة.

نحتاج إلى حملات توعية مستمرة لا موسمية، تُخاطب العقل والوجدان معًا

نحتاج إلى مدينة للنساء وللمواطنة، لا فقط باللافتات، بل بالأمان الحقيقي في الشارع والنقل وكل المرافق العمومية.

وأخيرا وليس بآخر الصفعة التي سُجلت على جسد فتاة في طنجة هي صفعة لكل من ظن أن الأمان خيار، وأن الكرامة تُمنَح، وأن المغرب بدستوره وقوانينه بلد “المساواة” والدفاع عن حقوق المرأة.

هي امتحان لمؤسسات تتغنّى بالتمكين وتفشل في أول لحظة حماية، هي نداء مفتوح للعدالة ؛

“لا تسمحي أن تكون أجساد النساء مجالًا للمسّ بعد اليوم”

“ولا تضعي مجال لتمر الصفعات في الزوايا المعتمة”

وللاشارة سبق وقلنا إن طنجة الجميلة تتحوّل شيىء فشيء إلى معقل للظلامية والتزمت ، وها نحن نشهد من جديد كيف يُترجم ذلك على الأجساد.

فالفكر الداعشي ليسة باللحية واللباس والطقس هو بالممارسة والسلوك الذي يرى في جسد المرأة العورة، ويبيه لنفسه سبيها.

أي دين هذا الذي يسمح لكم باستباحة النساء في الشوارع

أي فهم مشوّه للإيمان يبيح لكم الصفع والتحرش وفرض الوصاية

تلبسون قشرة التدين وتُخفون تحتها عنفا بدائيا لا يعرف للرحمة سبيلا.

هذا ليس تدين بل أداة لقهر النساء.

وإن كانت بعض العقول اختارت الانغلاق، فنحن سنبقى نُجاهر بالحرية، وندافع عن النساء في وجه كل فكر يرى في أجسادهن مشروعا للهيمنة أو التطهير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى