يعد التقرير الأخير الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات مرآة حقيقية لواقع التنمية بالمغرب، حيث سلط الضوء على عدد من التحديات التي لا تزال تعرقل تقدم البلاد، ومن أبرزها معضلة الأمية التي تستمر في تأزيم الجهود الرامية لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة.
أرقام مقلقة وسياقات متشابكة
ذكر التقرير أن معدلات الأمية في المغرب لا تزال مرتفعة، إذ تتجاوز 25% من مجموع السكان، مما يعني أن ربع المواطنين المغاربة يعانون من صعوبة القراءة والكتابة. هذه النسبة ترتفع بشكل ملحوظ في صفوف النساء وسكان المناطق القروية، حيث تصل الأمية إلى حوالي 40% في بعض الجهات النائية.
على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة منذ الاستقلال لتقليص معدلات الأمية، عبر برامج مثل محو الأمية الوظيفية والتعليم غير النظامي، إلا أن المجلس الأعلى للحسابات أشار إلى أن النتائج لا ترقى إلى حجم الموارد المالية والبشرية التي تم تسخيرها لهذا الغرض.
أسباب متعددة ومعقدة
وفقًا للتقرير، تتداخل مجموعة من العوامل التي تُكرس هذه الظاهرة، من بينها، ضعف جودة النظام التعليمي، حيث لا يزال التعليم العمومي يواجه تحديات كبيرة تتعلق بالاكتظاظ، نقص الكفاءات التربوية، وضعف المناهج الدراسية.
من الأسباب أيضا، التفاوتات الجغرافية والاجتماعية، ما يجعل الفئات المهمشة، وخاصة النساء والأطفال في المناطق القروية، الأكثر تضررًا من غياب فرص التعليم، فضلا عن غياب التنسيق بين البرامج، إذ أفاد المجلس إلى تعدد الجهات المشرفة على محاربة الأمية، وهو ما يخلق تداخلًا في المهام وهدراً للموارد.
الآثار السلبية للأمية
تؤثر الأمية بشكل مباشر على مختلف أبعاد التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، فهي تحد من فرص التشغيل وتضعف الإنتاجية، مما يساهم في توسيع فجوة الفقر. كما تعيق الأمية اندماج الأفراد في المجتمع الحديث وتحد من مشاركتهم الفعالة في الحياة العامة، بما في ذلك المشاركة السياسية.
توصيات المجلس الأعلى للحسابات
دعا التقرير إلى تبني مقاربة شاملة وجذرية لمواجهة هذه الظاهرة، ومن بينها تعزيز التنسيق بين القطاعات الحكومية والهيئات المعنية بمحو الأمية، فضلا عن إعادة النظر في المناهج التعليمية وضمان جودتها، مع التركيز على تعليم الكبار وإدماج التكنولوجيا في العملية التعليمية.
أيضا أشار المجلس في توصياته، إلى ضرورة إطلاق مبادرات مبتكرة تستهدف الفئات الأكثر هشاشة، مع تعزيز الدعم الموجه إلى المناطق النائية، و الرفع من ميزانية التعليم، مع ضمان حسن تدبيرها وربطها بمؤشرات أداء واضحة.
معضلة الأمية بين التحديات والآفاق
إن معالجة معضلة الأمية ليست مجرد مسؤولية قطاعية، بل هي قضية مجتمع بأكمله. فرغم صعوبة المهمة، يبقى الأمل قائماً في تحقيق تحول حقيقي إذا ما تضافرت الجهود بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، وتم استثمار الإمكانيات المتاحة بشكل أكثر نجاعة.
ختاماً، يبرز تقرير المجلس الأعلى للحسابات مرة أخرى ضرورة أن تكون محاربة الأمية على رأس الأولويات الوطنية، باعتبارها حجر الزاوية في تحقيق التنمية المستدامة وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية.