شهدت وتيرة إفلاس المقاولات المغربية تصاعداً مثيراً للقلق، ما دفع فريق الاتحاد المغربي للشغل بمجلس المستشارين إلى مساءلة وزيرة المالية حول هذه الظاهرة التي أصبحت تهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي على حد سواء، فرغم الخطابات الرسمية والبرامج المعلنة لدعم الاستثمار وتشجيع خلق المقاولات، فإن الواقع يكشف عن نزيف مستمر في قطاع الأعمال، حيث سجل تقرير صادر عن مكتب “Info-risk” إفلاس 7,659 شركة خلال النصف الأول من السنة الجارية، بزيادة 14% مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية.
وحسب فريق الاتحاد المغربي للشغل فإن هذه الأرقام تكشف جزءاً فقط من المشهد، إذ ان عدداً كبيراً من المقاولات الصغيرة والصغيرة جداً تغلق أبوابها دون المرور عبر المساطر القضائية، ما يجعل الحصيلة الفعلية أكثر كارثية.
و في نفس السياق، سلط الاتحاد المغربي للشغل الضوء على البعد الاجتماعي لهذه الظاهرة، حيث تشكل الشركات الصغيرة والصغيرة جداً 98% من المقاولات المفلسة، وهي النواة الأساسية للتشغيل في المغرب.
إن إفلاس هذه المقاولات يعني تشريد الآلاف من الأجراء وحرمانهم من حقوقهم الأساسية، مثل التعويضات العائلية والتغطية الصحية، مع عدم قدرتهم على الاستفادة من نظام التعويض عن فقدان الشغل بسبب شروطه الصارمة التي لا تتناسب مع الواقع، ومن بين هذه الشروط، ضرورة التصريح بـ 260 يوماً خلال السنة الأخيرة، وهي مسألة شبه مستحيلة في ظل تقليص ساعات العمل أو توقف التصريح عن الأجراء قبل إعلان الإفلاس، كما تتفاقم الأزمة مع عجز العمال عن الحصول على مستحقاتهم الاجتماعية نتيجة تراكم ديون الشركات وإعطاء الأولوية للدائنين على حساب حقوقهم.
كما اشار فريق الاتحاد المغربي للشغل بمجلس المستشارين، أن هذا الوضع كان بالإمكان تفاديه لو التزمت الحكومات السابقة بتنفيذ مقتضيات اتفاق 26 أبريل 2011، الذي نص على إحداث نظام تأمين للشركات في حالة الإفلاس، هذا النظام، الذي طالبت به المركزية النقابية، كان سيشكل طوق نجاة للعمال والشركات على حد سواء، لكنه ظل مجرد وعد لم يتحقق.
إن التساؤل المطروح بهذا الخصوص، لا ينحصر في البعد الاجتماعي فقط، بل يمتد ليشمل التداعيات الاقتصادية، فإفلاس هذا العدد الكبير من المقاولات ينعكس سلباً على موارد خزينة الدولة، سواء من خلال تراجع الضرائب أو انخفاض اشتراكات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ما يهدد قدرة الدولة على تمويل برامجها الاجتماعية، كما يؤثر ذلك على مناخ الأعمال، حيث يتزايد انعدام الثقة لدى المستثمرين في بيئة غير مستقرة، مما يعمق الركود الاقتصادي ويقلص فرص خلق مناصب شغل جديدة.
هذا و دعا الفريق إلى تبني مقاربة شمولية تعالج أسباب الإفلاس وتعطي الأولوية لإنقاذ الشركات الصغيرة والصغيرة جداً باعتبارها العمود الفقري للاقتصاد الوطني، وشدد على ضرورة إصلاح نظام التعويض عن فقدان الشغل، بما يجعله أكثر ملاءمة للواقع الميداني، إضافة إلى إحداث نظام تأمين خاص بالشركات المتعثرة، تنفيذاً للالتزامات السابقة.
إن الحكومة مطالبة اليوم بالاستماع إلى هذه الأصوات والتنبه إلى خطورة الوضع، حيث أن تجاهل هذه الأزمة سيؤدي إلى تعميق الفجوة الاجتماعية وتفاقم الركود الاقتصادي، ما يجعل التحدي أكبر وأكثر كلفة في المستقبل.
إن وضع سياسة متكاملة لدعم المقاولات وإنقاذها من الإفلاس بات ضرورة ملحة للحفاظ على التوازن الاجتماعي والاقتصادي في المغرب.