الخبرة الجنينية: جدل بين ضمان حقوق الأطفال وقفزة “ابن فرناس” عن واقع فعلي يحتاج حلولا
إن استبعاد الخبرة الجنينية من مشروع مدونة الأسرة في المغرب يُعتبر فعلاً قفزًا على الواقع الفعلي الذي يزداد فيه عدد الأمهات العازبات، وهي قضية اجتماعية تزداد تعقيدًا مع مرور الوقت. رغم أن المجتمعات في العديد من البلدان تشهد تغييرات في النظرة للأمهات العازبات، يبقى موضوع تحديد النسب باستخدام التحليلات الجينية موضوعًا حساسًا ومعقدًا من الناحية القانونية والاجتماعية، خصوصًا في بلد مثل المغرب حيث تلعب الشريعة الإسلامية دورًا محوريًا في تنظيم شؤون الأسرة.
تُظهر الأرقام الصادرة عن الجمعيات المعنية، أن نسبة الأمهات العازبات في المغرب في تزايد مستمر، مما يعكس تغيرات اجتماعية واقتصادية تؤثر على بنية الأسرة في البلاد. وقد تساهم هذه الزيادة في رفع الحاجة إلى حلول قانونية تراعي حقوق هؤلاء الأمهات وأطفالهن، خاصة في ما يتعلق بـ تحديد النسب، فضلا أن الأمهات العازبات يواجهن تحديات كبيرة، بما في ذلك وصمة العار” الاجتماعية، وانتهاك الحقوق المرتبط بعدم الاعتراف بحقوق أطفالهن في النسب أو الإرث.
في هذا الصدد قالت الناشطة الحقوقية، هدى سحلي، إنه تستوي البنوة للأم، في جميع الحالات، سواء كان الابن داخل الإطار الشرعي او خارجه.، لتشير أنه وفي احصاءات سابقة، كانت أعلنتها جمعية إنصاف هناك 3000 الاف أم عازبة سنويا، بمعنى 3000 ابن خارج المفهوم الفقهي ” الابن للفراش” سنويا، 3000 طفل بدون أب سنويا، 3000 طفل بدون هوية سنويا,
وأضافت أن ذلك يعني، أن 3000 طفل سنويا سيكبرون ويمارسون واجباتهم تجاه المجتمع وحقوقهم الاساسيه منقوصة، وأن 3000 طفل سنويا وأمهاتهم يشكلون سنويا 3000 أسرة في غير شكلها التقليدي تعيش على هامش الأسرة النظامية، أسرة غير أبوية يعود نسبها للأم، أي اطفال ليسوا أبناء الفراش وإنما ” ولاد امهم”.
وتابعت سحلي في تدوينة لها على صفحتها على الفايسبوك، نحن أمام 3000 طفل سنويا ليس لهم آباء يشكلون الجيل القادم الذي سيمارس المواطنة في عهد ولي العهد، كما قالت ذات يوم عائشة الشنا الله يرحمها في إحدى حواراتها على القناة الأولى، ومع ذلك لا نحتاج الى اعتماد الخبرة الجينية ولا أن ننتصر للعلم ولا أن ننتصر لحقوق الطفل ومصلحته العليا، وكل ذلك لماذا؟ لكي نحافظ على الأسرة! وأية أسرة؟.
ماذا يعني إشكالية استبعاد الخبرة الجنينية في ظل الواقع الراهن؟
إن استبعاد الخبرة الجنينية رغم تزايد الأمهات العازبات، هو بكل وضوح بالنسبة للكثيرات والكثيرون من الناشطات والنشطاء الحقوقيون، قفزًا عن الواقع الفعلي الذي يشهد ارتفاعًا في حالات الأمهات العازبات في المغرب. وهو الواقع الذي تترتب عنه عدة استحقاقات يمكن تلخيصها في ثلاثة أسئلة رئيسية:
كيفية حماية حقوق الأطفال في حال عدم الاعتراف بالأب البيولوجي، أي أننا سنكون أمام اطفال في هذه الحالات يفتقرون إلى الحقوق القانونية في النسب، الإرث، أو حتى الهوية العائلية.
ثم، هل تستمر وصمة العار التي يواجهها الأطفال المولودون خارج إطار الزواج في التأثير على حياتهم؟ في حال استبعاد الخبرة الجنينية، قد يُحرم هؤلاء الأطفال من الحصول على حقوقهم الكاملة كأفراد في المجتمع.
و هل يتم فعلاً التوفيق في هذه الحالة فعليا بين القيم الثقافية والدينية مع التحديات القانونية التي تطرأ بسبب تزايد هذه الظواهر الاجتماعية؟ وهل استبعاد الخبرة الجنينية يعني عمليا وقطعيا تجاهل الحاجة الماسة إلى تحديث قوانين الأسرة لتلائم الواقع الاجتماعي المتغير؟.
في هذا الإطار قالت الناشطة الحقوقية والباحثة سارة سوجار، يبدو أن معركة الأمهات العازبات مازالت مستمرة، و معاناة أطفالهن ستظل ثانوية بالنسبة لكل الفاعلين
ما هي مبررات وزير الأوقاف لرفض إثبات النسب بـ”ADN”
اعتبر وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، أن عدم الأخذ من طرف لجنة الإفتاء بالمجلس العلمي الأعلى إجراء فحص الحمض النووي لإثبات نسب الأبناء خارج الزواج يخالف الشرع وأنه تم لدرء ماسماه نشوء أسر بديلة، غير الأسر السائدة بالمجتمع المغربي.
وأضاف الوزير، اليوم الثلاثاء خلال لقاء تواصلي خصص لعرض مقترحات تعديل مدونة الأسرة، أن “هناك ثلاث مسائل أعطت اللجنة حلولا بديلة عنها توافق الشرع وتحقق المطلوب، ومن الأفضل الأخذ بها، ويتعلق الأمر بنسب الولد خارج الزواج، وهو جواب يعطي حلا بديلا هو تحميل الأب كالأم المسؤولية عن حاجيات الولد دون إثبات النسب، لأن ثبوت النسب يخالف الشرع والدستور ويؤدي إلى هدم مؤسسة الأسرة وخلق أسر بديلة”.
التوجه المؤيد للخبرة الجنينية: ضمان حقوق الأطفال
التيار المؤيد لاستخدام الخبرة الجنينية يرى أن هذه التقنية يمكن أن تُسهم بشكل كبير في حماية حقوق الأطفال الذين يولدون من أمهات عازبات، وذلك عبر ضمان النسب البيولوجي للطفل. هؤلاء المدافعون عن هذه التقنية يقدمون عدة حجج، من أبرزها:
- حماية حقوق الأطفال: الأطفال الذين يولدون خارج إطار الزواج لا يحصلون عادة على حقوق النسب أو الإرث أو حتى الهوية العائلية. باستخدام الخبرة الجنينية، يمكن تحديد الأب البيولوجي، مما يضمن لهم هذه الحقوق بشكل قانوني.
- الاعتراف بالواقع الاجتماعي: كما أشرت، تشهد المجتمعات المغربية تزايدًا في حالات الأمهات العازبات بسبب تغييرات اجتماعية واقتصادية. وباستبعاد الخبرة الجنينية، يُعتبر من غير الممكن الاعتراف بواقع اجتماعي قائم بالفعل. هذا الاستبعاد قد يُؤدي إلى استمرار انتهاك حقوق الأطفال وحرمانهم من حقوقهم الأساسية.
- إنصاف الأمهات العازبات: إذا تم تحديد النسب باستخدام التحليل الجيني، فإن الأمهات العازبات قد يحصلن على دعم قانوني أكبر، كما يمكن أن يتحمل الأب البيولوجي المسؤولية تجاه الطفل، مما يُسهم في رفع الوصمة الاجتماعية عنهن.
التوجه المعارض للخبرة الجنينية: القيم الدينية والاجتماعية
من جهة أخرى، هناك تيار معارض يرى أن الخبرة الجنينية قد تشجع على العلاقات غير الشرعية، وهو يعبر عن عدة مخاوف، مثل:
- التشجيع على العلاقات غير الشرعية: يعتقد المعارضون أن اعتماد الخبرة الجنينية لتحديد النسب يمكن أن يُعتبر بمثابة تسهيل أو تبرير للعلاقات خارج إطار الزواج. ووفقًا لرؤيتهم، فإن تطبيق هذه التقنية قد يفتح الباب أمام تساهل في القيم الأخلاقية والدينية، حيث يُمكن أن يُرى ذلك كموافقة قانونية على الأوضاع الاجتماعية غير المشرعة، وبالتالي قد يكون تشجيعًا ضمنيًا على هذه العلاقات.
- التعارض مع القيم الإسلامية: في المجتمعات الإسلامية، يُعتبر الزواج هو الإطار الشرعي الوحيد الذي يضمن تحديد النسب للأطفال، ويعتبر أي خروج عن هذا الإطار أمرًا مرفوضًا من الناحية الدينية. وبالتالي، فإن استخدام الخبرة الجنينية قد يُنظر إليه كمساس بالقيم الدينية المتعلقة بالعائلة والنسب.
- الاستجابة للضغوط الاجتماعية: يرى هذا التيار أن مثل هذه الحلول قد تكون ردة فعل على الضغوط الاجتماعية التي تزداد بسبب تغيرات المجتمع، لكنهم يؤكدون أن هذا لا يجب أن يترجم إلى تغيير جذري في القوانين دون دراسة عواقبها الاجتماعية على المدى البعيد.
على سبيل الخلاصة
الاستمرار في استبعاد الخبرة الجنينية من مشروع مدونة الأسرة في المغرب يعكس توترات بين التقاليد الدينية والاجتماعية من جهة، وبين الحقوق القانونية للأطفال من جهة أخرى. وعلى الرغم من أن التيار المعارض يطرح مخاوف من تداعيات هذه التقنية، إلا أنه لا يقدم حلولًا عملية لمعالجة القضايا الاجتماعية المستجدة. من هنا، يبقى التحدي الأكبر في إيجاد حلول قانونية تراعي حقوق الأفراد وتستجيب لواقع اجتماعي في تحول مستمر.