مدونة الأسرة المغربية: بين آمال الإصلاح والخيبة من التعديلات المقترحة
في خضم النقاش المجتمعي حول تعديل مدونة الأسرة المغربية، عقد "اتحاد العمل النسائي" مجلسه الوطني لمناقشة هذه التعديلات بتمعن، مستحضرًا المذكرة المطلبية التي قدمها إلى الجهات المعنية، إلى جانب النقاشات العميقة التي قادتها الحركة النسائية طوال السنوات الماضية من أجل النهوض بحقوق النساء وضمان المساواة داخل الأسرة المغربية، فخلص المجلس إلى أن التعديلات المطروحة جاءت مخيبة للآمال ولم ترتقِ إلى مستوى التطلعات، حيث وُصفها بالسطحية والجزئية في تناول القضايا الجوهرية المتعلقة بوضعية النساء داخل الأسرة والمجتمع.
20/01/2025
0
تحرير: جيهان مشكور
وجاءت أبرز الانتقادات استنادا لبيانه، التي وجهها الاتحاد للتعديلات المقترحة في الطريقة التي تم بها تقديمها للعموم، فعوض اعتماد مقاربة تشاركية مبنية على رؤية متكاملة تتعامل مع المدونة كإطار شمولي، تم الاكتفاء بطرح المقترحات عبر قطاعين حكوميين منفصلين، مما خلق انطباعًا بوجود اختلافات جوهرية حتى قبل الكشف عن تفاصيل التعديلات.
اعتبر اتحاد العمل النسائي، أن هذا النهج لم يخدم الهدف الأساسي للإصلاح، بل أدى إلى توسيع فجوة عدم الثقة بين الفاعلين في المجال الحقوقي والمؤسسات الرسمية، خاصة أن اللقاء التواصلي الحكومي الذي عرضت فيه هذه التعديلات افتقر إلى الدقة والوضوح المطلوبين، مما سمح بانتشار المغالطات وتأجيج الخطابات المناهضة لحقوق النساء دون أي تدخل جدي للحد من هذه التأويلات المغرضة.
كما أعرب الاتحاد عن خيبة أمله العميقة تجاه طبيعة التعديلات التي لم تعكس حجم الانتظارات النسائية، حيث جاءت قاصرة عن تحقيق العدالة والمساواة داخل الأسرة، ولم تأخذ بعين الاعتبار التحولات الاجتماعية والاقتصادية العميقة التي شهدها المجتمع المغربي، فالإبقاء على الاستثناء في تزويج القاصرات، رغم كل الدراسات والتقارير التي حذرت من مخاطره الجسيمة، يعتبر انتكاسة واضحة أمام الجهود المبذولة لمناهضة زواج الطفلات، ورفع السن الاستثنائي إلى 17 عامًا لا يمكن أن يكون حلًا جذريًا، بل يبقى مجرد تعديل شكلي لن يحد من انتشار الظاهرة.
في السياق ذاته، أثار الاتحاد عدم تضمين التعديلات لمطلب إلغاء تعدد الزوجات بشكل نهائي، معتبرا أن هذا المطلب يشكل ضرورة ملحة لضمان كرامة المرأة واستقرار الأسرة، خاصة وأن المقترحات الحالية تكتفي باشتراط موافقة الزوجة الأولى دون تقديم ضمانات حقيقية تحول دون استغلال هذا الحق.
وكانت واحدة من أبرز الإشكاليات التي توقف عندها الاتحاد، هي استمرار التمسك بمبدأ التعصيب في الإرث، والذي اعتبره إرثًا فقهيًا تجاوزه الزمن، خاصة في ظل التغيرات التي طرأت على بنية المجتمع المغربي، حيث أصبحت النساء مساهمات رئيسيات في الحياة الاقتصادية العائلية، و الإبقاء على هذا المبدأ يعد، بحسب الاتحاد، تكريسًا واضحًا لمنظور ذكوري لم يعد ينسجم مع تطلعات النساء المغربيات إلى العدالة والإنصاف.
كما أن عدم الاعتراف بالدور المالي للمرأة داخل الأسرة، والاكتفاء بتثمين عملها المنزلي فقط، يشكل نظرة قاصرة لا تعكس الواقع المعيش الذي تساهم فيه النساء بشكل فعلي في إعالة الأسرة جنبًا إلى جنب مع الرجل.
و في ما يخص حقوق الطفل، عبر الاتحاد عن رفضه القاطع لاستبعاد الخبرة الجينية كوسيلة علمية دقيقة لإثبات النسب، معتبرا أن التمسك بالوسائل التقليدية يشكل تراجعًا عن المبادئ الدستورية التي تضمن الحماية القانونية لجميع الأطفال بغض النظر عن وضعيتهم العائلية، هذا و أكد الاتحاد النسائي، أن اعتماد التحليل الجيني من شأنه أن يعزز مصلحة الطفل الفضلى، ويضمن له هوية واضحة بعيدًا عن أي اعتبارات اجتماعية أو دينية قد تحرمه من حقوقه الأساسية.
و في محور النيابة القانونية، أبدى الاتحاد تحفظه على الطرح القائم على جعلها مشتركة بين الزوجين خلال الزواج وبعد الانفصال، مشددًا على ضرورة ربطها بالحضانة لضمان حقوق الأمهات الحاضنات وأطفالهن بشكل عملي وواقعي، فيما يرى أن التعديلات الحالية لم تقدم حلولًا حقيقية للتحديات التي تواجه النساء بعد الطلاق، بل أبقت على نفس الإشكالات التي تعيق حصول الأمهات على حقوقهن القانونية في تدبير شؤون أبنائهن دون الحاجة للرجوع إلى المحاكم في كل صغيرة وكبيرة.
أمام هذا الواقع، شدد اتحاد العمل النسائي على الحاجة الملحة إلى إصلاح شامل وعميق لمدونة الأسرة، إصلاح يتجاوز التعديلات الجزئية التي لا تتماشى مع متطلبات المجتمع المغربي الحديث.
كما طالب الاتحاد بضرورة تبني مقاربة حقوقية واضحة تستند إلى مبادئ المساواة وعدم التمييز والمصلحة الفضلى للطفل، بما ينسجم مع الدستور المغربي والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، كما دعا إلى إعادة النظر في آلية التشريع المتبعة، بحيث يتم ضمان إشراك فعلي للحركة النسائية والحقوقية في صياغة الإصلاحات، بدل فرض تعديلات لا تلبي الطموحات ولا تستجيب للتحديات الراهنة.
في الختام، ناشد الاتحاد جميع الفاعلين في المجتمع، سواء المؤسسات الحكومية أو المنظمات الحقوقية، إلى تحمل مسؤولياتهما في الدفع نحو إصلاح حقيقي للمدونة، إصلاح يضمن العدالة الاجتماعية ويؤسس لأسرة قائمة على مبدأ المساواة والكرامة الإنسانية، كما دعا المجلس العلمي الأعلى إلى ضرورة إعمال الاجتهاد والانفتاح على مستجدات العصر بما يضمن استيعاب التحولات المجتمعية وتلبية انتظارات النساء المغربيات في بناء مستقبل أكثر عدالة وإنصافًا.