تعيش المملكة المغربية في الفترة الحالية حالة من القلق بسبب تفشي مرض الحصبة (بوحمرون) بشكل سريع ومقلق، حيث أظهرت البيانات الرسمية من وزارة الصحة تسجيل حوالي 25 ألف حالة إصابة بالوباء، فيما راح ضحيته 116 شخصًا على الأقل.
هذا الانتشار المتسارع للمرض يثير العديد من التساؤلات حول الأسباب المحتملة والتحديات التي تواجه القطاع الصحي في مكافحة هذا الوباء.
فمن خلال تحليل الوضع الوبائي، يمكن ملاحظة أن تفشي الحصبة بدأ في جهة سوس ماسة قبل أن يمتد إلى مناطق أخرى من المغرب، لا سيما الشمال، مثل طنجة تطوان الحسيمة وفاس مكناس، و فيما سجلت بعض المناطق، مثل سوس، تحسنًا ملحوظًا في الوضع بعد أن كانت الأكثر تضررًا، لا يزال المرض يهدد صحة العديد من المواطنين في مناطق أخرى، وهو ما يضع المزيد من الضغط على قطاع الصحة.
وفي هذا السياق، أكد معاد المرابط، منسق مركز طوارئ الصحة العامة بوزارة الصحة، أن الوضع الوبائي لا يشهد ضغطًا كبيرًا على المستشفيات، حيث إن 90% من الحالات تتم معالجتها وفق البروتوكول العلاجي دون الحاجة إلى دخول المستشفى، بينما 10% فقط من الحالات تتطلب رعاية طبية مكثفة، و على الرغم من ذلك، فإن الوضع يشير إلى مشكلة أساسية حيث أشار المرابط أن تراجع الإقبال على التطعيم ضد الحصبة، هو العامل الرئيسي وراء تفشي المرض بهذا الشكل الكبير، وهذا يظهر بشكل جلي في المدارس، حيث يتم التركيز على استهداف الأطفال الذين لم يتلقوا التطعيمات اللازمة.
ومن جانب آخر، أكد علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، أن جائحة كورونا كانت سببًا رئيسيًا في توقف برامج التطعيم، حيث كان تركيز الوزارة على تطعيم المواطنين ضد فيروس كورونا، مما أدى إلى إهمال حملات التطعيم الروتينية للأطفال، وهذا التوقف أسهم في زيادة تفشي الحصبة إلى مستويات لم تشهدها البلاد منذ عقود.
في نفس السياق، أكد لطفي على أهمية دور المؤسسات التعليمية التي بدأت في فرض إجراءات صارمة على التلاميذ، مثل إحضار الدفتر الصحي للتأكد من تلقيهم التطعيم ضد الحصبة، كمبادرة تهدف إلى حث أولياء الأمور على ضرورة تلقيح أبنائهم، مع توفير اللقاحات مجانًا في المراكز الصحية.
ومع ذلك، أكد لطفي أن الوزارة يجب أن تتحمل المسؤولية في ضمان توفير اللقاحات والعلاج لجميع المواطنين، وخاصة في المناطق النائية التي تفتقر إلى المراكز الصحية المجهزة.
ويجب على وزارة الصحة أن تقوم بحملات تطعيم شاملة للمناطق البعيدة عن المستشفيات، وأن تعمل على تأمين العلاجات اللازمة بشكل سريع وفعّال، و في حال تعذر الوصول إلى العلاج في بعض المناطق، على المواطنين تقديم شكاوى للوزارة أو اللجوء للقضاء لضمان حقوقهم في الحصول على الرعاية الصحية.
من جهته، يرى لطفي أن تعزيز الوعي الصحي من خلال حملات توعوية صارمة أمر بالغ الأهمية.
فالتعليم والتوعية حول أهمية التطعيم ودوره في الوقاية من الأمراض يشكل حجر الزاوية لمكافحة تفشي الحصبة.
وأضاف أن الحكومة تتحمل جزءًا من المسؤولية بسبب ضعف الحملات التحسيسية التي تواكب هذا التفشي الواسع، إذ يجب أن تُبذل المزيد من الجهود لتوعية المواطنين حول أهمية التطعيم وتأثيره في حماية صحتهم وصحة أبنائهم.
في الختام، لا بد من التأكيد على أن تفشي الحصبة في المغرب ليس مجرد أزمة صحية عابرة، بل هو مؤشر على ثغرات في النظام الصحي يحتاج إلى إصلاحات جذرية، كما يجب على الجميع، من أفراد ومؤسسات حكومية واعلام، أن يعملوا بتعاون من أجل رفع الوعي وتعزيز برامج التطعيم، والقيام بحملات صحية استباقية قبل أن تتفاقم الأمور أكثر..