قضت المحكمة التجارية الابتدائية بالدار البيضاء يوم الخميس 30 يناير 2025 بتجديد الإذن باستمرار النشاط لشركة سامير، التي تعيش على وقع التصفية القضائية منذ 21 مارس 2016، بعد أن أغرقتها الديون نتيجة سوء تدبير ملاكها السابقين.
إن قرار المحكمة، وإن كان يسعى إلى الحفاظ على الأصول وعدم تفكيكها، والإبقاء على عقود الشغل الجارية، إلا أنه يطرح مجددًا السؤال الكبير: إلى متى ستظل الحكومة متفرجة على هذا النزيف الاقتصادي؟
الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز ورئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول، لم يتردد في وصف هذا الوضع بالكارثة، محذرًا من أن استمرار التماطل الرسمي في استئناف تكرير البترول الذي اعتبره جريمة تُرتكب في حق الاقتصاد الوطني.
و يرى اليماني، أن هذا التجديد لاستمرار النشاط يأتي بعد انتهاء ملف التحكيم الدولي، الذي كان شماعة تعلق عليها الحكومة تبريراتها للجمود، واليوم، وبعد أن أصدر المركز الدولي لفض نزاعات الاستثمار حكمه في نوفمبر الماضي، فإن الحكومة لم تعد تملك أي مبرر لعدم التحرك الفوري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
إن المحكمة، بقرارها الأخير، تسعى إلى الحفاظ على الأصول مجتمعة وعدم تفكيكها، مما يعني الإبقاء على العقود الجارية، بما في ذلك عقود العمل للأجراء الرسميين، كما تحاول المحكمة توفير الظروف المناسبة للتمهيد للتفويت القضائي للشركة في المستقبل، بهدف حماية مصالح الدائنين وحقوق العمال، وكذلك المصلحة العامة المرتبطة بنشاط الشركة.
ولكن هذا الإذن باستمرار النشاط في نظر اليماني، لا يعدو كونه محاولة عبثية لتأجيل الحل، في حين أن الوضع يحتاج إلى قرار سياسي جريء وحاسم.
اليماني لا يرى في هذا التأخير سوى تبديدًا لمقدرات المغرب وتدميرًا لصناعته الطاقية، وهو ما يزيد من تبعيته للخارج في تأمين حاجياته من الطاقة البترولية، التي تشكل أكثر من نصف المزيج الطاقي الوطني، فبدلًا من إعادة تشغيل سامير واستعادة القدرة على تكرير النفط محليًا، تصر الحكومة على التهرب من مسؤولياتها و ترك السوق بيد لوبيات المحروقات التي تتحكم في الأسعار وتفرض واقعًا اقتصاديًا يخدم مصالحها فقط، بينما المواطن المغربي هو من يدفع الثمن.
إن الحكومة، التي كانت تدعي أن القضية بيد التحكيم الدولي، لم تحرك ساكنًا بعد انتهاء هذا النزاع، واليوم، لم يعد هناك مجال للمراوغة أو التهرب من المسؤولية.
إذا كانت نية الدولة حقًا إنقاذ هذه الشركة الاستراتيجية، فعليها أن تبدأ فورًا في إجراءات التفويت، سواء للقطاع الخاص، أو أن تتولى الدولة نفسها إدارتها ضمن نموذج اقتصادي مختلط، يضمن استعادة التكرير المحلي للمحروقات وتعزيز الأمن الطاقي الوطني.
في ظل هذا الوضع، يصر اليماني على أن استمرار التلكؤ الرسمي لا يخدم سوى الجهات المستفيدة من تحكمها في سوق المحروقات، وهو ما يفرض ضرورة تفكيك هذا اللوبي وإعادة التوازن إلى السوق المغربية عبر تعزيز التنافسية، بدل ترك المواطن رهينة لجشع الشركات المتحكمة.
إن ما يحدث مع سامير ليس مجرد أزمة شركة متعثرة، بل هو مثال صارخ على غياب الإرادة السياسية لحماية المصالح الوطنية،و فصل من فصول العبث الاقتصادي الذي قد يكلف المغرب مستقبلًا الكثير.
والأخطر من ذلك، يضيف المتحدث ذاته، أن استمرار هذا التخاذل قد يجعل من سامير مجرد ذكرى في سجل الصناعة المغربية، في وقت تحتاج فيه البلاد أكثر من أي وقت مضى إلى تأمين استقلالها الطاقي.
جدير بالذكر، أن شركة سامير (Société Anonyme Marocaine de l’Industrie du Raffinage) هي واحدة من أكبر شركات تكرير النفط في المغرب، وكان لها دور مهم في الاقتصاد الوطني.
إن حصة سامير في السوق، كانت تتمثل في كونها تمتلك أكثر من 67% من السوق المغربي لتكرير النفط، مما جعلها لاعباً رئيسياً في توفير المنتجات النفطية مثل البنزين والديزل، وأنه و قبل توقفها عن العمل في السنوات الأخيرة، كانت قادرة على تكرير حوالي 200,000 برميل يومياً من النفط الخام، وهو ما يغطي جزءاً كبيراً من احتياجات السوق المحلي من المنتجات النفطية.
إن شركة سامير كانت تمثل استثماراً كبيراً في قطاع الطاقة بالمغرب، حيث كانت تسهم بشكل رئيسي في تأمين استقلالية الطاقة بالمملكة وتقليل الاعتماد على استيراد المنتجات النفطية من الخارج، كما كانت تشغل العديد من الموظفين (آلاف العاملين) في مواقعها المختلفة، مما كان يسهم في خلق فرص عمل وتوفير وظائف في قطاع الصناعة النفطية بالمغرب.
إن السؤال الكبير الذي يفرض نفسه هنا هو: هل ستظل الحكومة في موقع المتفرج حتى تنهار هذه القلعة الصناعية بالكامل، أم ستتحمل مسؤولياتها قبل فوات الأوان؟