اقتصادالرئسية

المغرب في قلب الصراع الاقتصادي… كيف أصبحت البطاريات الكهربائية محور الحرب التجارية بين بكين وواشنطن؟

يتحول المغرب بسرعة إلى مركز صناعي استراتيجي في مجال صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، حيث أصبح وجهة رئيسية للاستثمارات الصينية في هذا القطاع الحيوي.

وفي هذا السياق، سلطت صحيفة “لوموند” الفرنسية الضوء على هذا التحول، مشيرة إلى أن المغرب بات وجهة جذابة لشركات التكنولوجيا والطاقة المتجددة الصينية، خصوصًا بعد الزيارة الأخيرة للرئيس الصيني شي جين بينغ إلى البلاد في 21 نوفمبر الماضي، و التي رغم قصر مدتها، عززت العلاقات الاقتصادية بين الرباط وبكين وأسهمت في تسريع وتيرة تدفق رؤوس الأموال الصينية إلى المغرب.

و بالتوازي مع هذا التطور، تشهد العلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة تصعيدًا جديدًا في إطار الحرب التجارية المستمرة بين القوتين العظميين، ومع تولي دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية مجددًا، فرضت إدارته قيودًا ضريبية صارمة على المنتجات الصينية، بما في ذلك تلك المصنعة في دول وسيطة مثل المغرب، مما أثار تساؤلات حول مستقبل الاستثمارات الصينية في المملكة وإمكانية تأثرها بهذه الإجراءات.

و كشفت “لوموند” أن وزير الخارجية الأمريكي الجديد، ماركو روبيو، أجرى اتصالًا هاتفيًا مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، ناقشا خلاله مجموعة من الملفات الإقليمية الساخنة، من بينها قضايا الشرق الأوسط، بالإضافة إلى ملف التعاون التجاري بين البلدين.
من جهته عبر روبيو، الذي يُعرف بمواقفه المتشددة تجاه الصين، عن “أهمية” توسيع التجارة الثنائية بين الرباط وواشنطن، لكن دون إخفاء مخاوفه من ما وصفه بـ”التقارب الرومانسي” بين المغرب وبكين، في إشارة إلى الشراكة الاقتصادية المتنامية بين البلدين.

فيما تشير التقارير الدولية إلى أن المغرب يشهد طفرة استثمارية غير مسبوقة في مجال تصنيع البطاريات الكهربائية، وكالة الطاقة الدولية أوردت رقمًا لافتًا، حيث توقعت أن حجم الاستثمارات في هذا المجال بالمغرب خلال عام 2022 يكاد يساوي مجموع الاستثمارات التي تم الإعلان عنها خلال السنوات الخمس السابقة مجتمعة، متجاوزًا 14 مليار يورو، معظمه قادم من الصين، و يعكس هذا النمو الاستثماري السريع تحول المملكة إلى مركز إقليمي لصناعة السيارات الكهربائية، خاصة مع تزايد الطلب العالمي على مصادر الطاقة النظيفة والتوجه نحو التخلص التدريجي من محركات الاحتراق الداخلي.

و في هذا الإطار، نشر موقع “أفريكا إنتلجنس” تقريرًا بعنوان “البطاريات المغربية.. جبهة جديدة في الحرب التجارية بين بكين وواشنطن”، سلط فيه الضوء على كيف أصبحت المملكة في قلب التوترات الاقتصادية العالمية، حيث أشار التقرير إلى أن إدارة ترامب الجديدة تولي اهتمامًا خاصًا بالمغرب ليس فقط كشريك استراتيجي، بل أيضًا كساحة منافسة حاسمة في الحرب التجارية مع الصين.

تجدر الإشارة أن ما يميز المغرب عن غيره من الدول الإفريقية هو موقعه الاستراتيجي واتفاقياته التجارية المتعددة، حيث يُعد الدولة الإفريقية الوحيدة التي أبرمت اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة، مما يمنحه ميزة تنافسية هامة في استقطاب الاستثمارات الأجنبية، ومع ذلك، فإن هذا الوضع المعقد يضع الرباط أمام تحديات دبلوماسية واقتصادية دقيقة، إذ يتعين عليها موازنة علاقاتها مع كل من واشنطن وبكين دون أن تجد نفسها في قلب صراع قد يؤثر على طموحاتها التنموية.

ستكون المرحلة القادمة حاسمة في تحديد مستقبل الاستثمارات الصينية في المغرب ومدى تأثرها بالضغوط الأمريكية، خاصة أن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى أدوات سياسية واقتصادية للحد من النفوذ الصيني في المنطقة، و في المقابل، ستواصل الشركات الصينية البحث عن فرص لتعزيز وجودها في السوق المغربية، مدفوعة بالحوافز الاستثمارية التي توفرها المملكة ورغبتها في أن تكون لاعبًا رئيسيًا في التحول نحو الاقتصاد الأخضر.

و في ظل هذا المشهد المتشابك، يبدو أن المغرب سيظل محط أنظار القوى الاقتصادية الكبرى، حيث تسعى كل من الصين والولايات المتحدة إلى تعزيز نفوذها في المنطقة، سواء عبر الاستثمارات أو من خلال الضغوط السياسية. ومع استمرار التنافس بين العملاقين الاقتصاديين، سيبقى المغرب في موقع استراتيجي يجعله مستفيدًا من الفرص، لكنه في الوقت نفسه مطالب بإدارة توازناته بحذر لضمان مصالحه الاقتصادية والسياسية على المدى الطويل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى