كازينو السعدي تتحدى الزمن وتكشف طول أمد التقاضي في قضايا محددة
05/02/2025
0
تحرير: جيهان مشكور
سجل محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أنه من المفارقات أن معركة مكافحة الفساد ونهب المال العام لا تزال طويلة وشاقة، وأن نجاح القضاء في أداء دوره يتطلب ضمان تنفيذ الأحكام بطريقة عادلة وشفافة، بغض النظر عن موقع المدانين أو نفوذهم.
هذه المفارقة تتجسد بوضوح في قضية كازينو السعدي، التي تحولت إلى نموذج صارخ لطول أمد التقاضي، والتأخر غير المبرر في تنفيذ الأحكام، رغم أن الملف استنفد جميع درجات التقاضي بعد مرور ما يقارب سبعة عشر عامًا.
و أعاد الغلوسي في تدوينة له على صفحته على الفايسبوك، تسليط الضوء على هذه القضية، مستغربًا كيف أن حكم محكمة النقض الصادر بتاريخ 18 ديسمبر، والقاضي برفض الطعن المقدم من المتهمين، لم يجد طريقه إلى التنفيذ بعد مرور ما يقارب شهرين، و أشار في هذا السياق، لمقتضيات المادة 555 من قانون المسطرة الجنائية، حيث كان على كاتب الضبط بمحكمة النقض إحالة نسخة من القرار على الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض داخل أجل لا يتجاوز عشرين يومًا، ليتم إرسالها بعد ذلك إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش لتنفيذ الحكم.
غير أنه يضيف المتحدث ذاته، إلى حدود الساعة، لم يتم احترام هذه المسطرة، مما يطرح تساؤلات جدية حول الأسباب الحقيقية لهذا التأخير، وحول الجهات التي قد تكون مستفيدة منه.
الغريب في الأمر، حسب الغلوسي، أن بعض المتهمين في هذه القضية لا يزالون يمارسون وظائفهم بشكل طبيعي، بل ويستفيدون من امتيازات رسمية، رغم أن الإدانات الموجهة إليهم حائزة لقوة الشيء المقضي به، بل و الأكثر إثارة للجدل هو استمرار أحد المدانين، وهو منتخب معروف في المجلس الجماعي لمراكش، في استخدام سيارة الجماعة في تنقلاته اليومية داخل المدينة، مع التباهي علنًا بكونه يحظى بدعم وحماية من جهات نافذة.
هذه الصورة تعكس ازدواجية المعايير في التعامل مع الملفات القضائية، حيث يُطبق القانون بصرامة في بعض الحالات، بينما يتم الالتفاف عليه في حالات أخرى، خاصة عندما يتعلق الأمر بشخصيات محسوبة على مواقع النفوذ.
وفي هذا السياق، قارن الغلوسي بين البطء الذي يطبع تنفيذ الأحكام في قضايا الفساد المالي وبين السرعة التي تم بها تنفيذ قرار محكمة النقض في حالات أخرى،حيث استحضر الغلوسي قضية المغنية دنيا بطمة، والتي تم إيداعها السجن فور صدور الحكم النهائي، دون أن تحصل على أي امتياز مسطري أو تأجيل، وهو ما يعكس، وفق تعبيره، الانتقائية في تطبيق القانون.
و وفق الغلوسي أن استمرار تعطيل تنفيذ الحكم في قضية كازينو السعدي يقوض جهود مكافحة الفساد، ويعطي الانطباع بأن هناك جهات قادرة على التحكم في مسار العدالة، بما يتناسب مع مصالحها.
إن هذا الواقع لا يضر فقط بسمعة القضاء، بل يكرس فقدان الثقة في المؤسسات، ويضع علامات استفهام حول مدى جدية الدولة في محاربة الفساد، خاصة عندما يتعلق الأمر بملفات كبرى استغرقت سنوات طويلة دون أن تصل إلى نهايتها الحقيقية.
إن إعادة طرح هذا الملف اليوم ليس مجرد تذكير بقضية قضائية متعثرة، بل هو نداء صريح لضرورة احترام استقلالية القضاء، وضمان عدم إفلات المتورطين في الفساد من العقاب، مهما كان موقعهم.
فدولة القانون لا يمكن أن تظل شعارًا فقط، بل يجب أن تتجسد في قرارات واضحة تُطبق على الجميع دون استثناء، حتى يتحقق الردع، ويصبح القضاء فعليًا أداة لتخليق الحياة العامة بدل أن يكون جزءًا من معادلات النفوذ والمصالح.
فهل ستتم إحالة الملف على الجهات المختصة لتنفيذ الحكم، أم أن قضية كازينو السعدي ستستمر في تحدي الزمن، لتتحول إلى عنوان بارز لإفلات بعض الفاسدين من العقاب؟