روى البحارة التقليديين وعائلاتهم أثناء تواصل جريدة "دابا بريس" معهم قصص كثيرة تروي نفس المعاناة، لخصناها في تعاليق البعض، لنعود اليها مرة اخرى وبالتفصيل وعبر الفيديو، لكنها كانت فرصة لتذكرهم في هذه الظروف .
07/06/2025
0
بقلم: بثينة المكودي
مع حلول عيد الأضحى في المغرب، يعيش عدد كبير من حرفيي الصيد البحري الصغار أو ما يعرف “بالتقليدي ” وضع اقتصادي صعب، بسبب التراجع الموسمي في الطلب على الأسماك، وانصراف المستهلكين نحو اقتناء اللحوم، مما يؤدي إلى ركود الأسواق الساحلية وانخفاض مداخيل هذه الفئة التي تُعد من بين الأضعف اقتصاديا.
من المعروف انه بحلول عيد الأضحى تتحول أولويات المستهلكين بالمغرب من المنتجات البحرية إلى اللحوم الحمراء، خصوصا في الأسبوع الذي يسبق العيد ويومه، ما يتسبب في كساد واضح في مبيعات الأسماك.
هذا الركود ينعكس بشكل مباشر على البحارة والحرفيين الصغار، الذين يعتمدون على الدخل اليومي لتأمين قوت أسرهم، دون وجود شبكات دعم أو حماية اجتماعية كافية تعينهم على تجاوز هذه المرحلة.
حيث في عدد من الموانئ الصغيرة، مثل تلك الموجودة بالسواحل الجنوبية مثل اميوادار، أفتاس بتزنيت وسيدي رباط وسيدي إفني، يضطر بعض الصيادين إلى التوقف المؤقت عن العمل، إما بسبب ارتفاع تكلفة الخروج في رحلات بحرية لا تغطي مصاريفها، أو نتيجة صعوبة تصريف الحصيلة في الأسواق المحلية، كما يفضل بعضهم بيع ما اصطادوه بأثمان بخسة لتجار الجملة أو الوسطاء لتفادي الخسائر.
“بحارة بلا عيد”.. حين يُطفئ البحر مواقد الفرح في بيوت الصيادين
ورغم صلابة الملامح التي تطبع وجوه البحارة ، إلا أن الكثير منهم لا يخفي إحساسه بالحيف والتجاهل، فهؤلاء الذين يغامرون يوميا في عرض البحر لتأمين غذاء المغاربة، يجدون أنفسهم في مثل هذه المناسبات الدينية الكبرى خارج حسابات الدعم والاهتمام الرسمي.
“خارج للبحر وأنا عارف ما غاديش نربح، ولكن ما عنديش خيار”، هكذا بدأ سي الحسين، بحار في عقده الخامس من مدينة الأكادير ، حديثه بنبرة يغلب عليها الإحباط، و يضيف: “في هاد الأيام قبل العيد، السوق كيموت، الناس كتشري دجاج واللحم، وحتى شي واحد ما كيسول على الحوت ماشي بحال رمضان، وكنرجعو من البحر بسلّة عامرة، ولكن فاش كتوصل للميناء كتلقاها كتتباع بأقل من ثمن المازوط”.
تقول عائشة، خمسينية تشتغل في تنظيف الأسماك بأحد أسواق السمك قرب أحد موانئ الجنوب: “خدمتنا مرتبطة مباشرة بالصيد، ملي كيوقفو البحارة، كنولّيو حنا بلا خدمة، بلا مدخول، وكنضطرّو نتسلفوا باش نوجدو للعيد، وحتى السلف صعيب منين يجي”.
ومن جانبه، يحكي محمد، شاب في بداية الثلاثينات يعمل على قارب تقليدي في سيدي إفني، عن التراجع الحاد في دخله: “العام كامل وحنا كنعانيو، ولكن هاد الفترة ديال العيد كتبقى الأصعب، ملي كتولي تكاليف الرحلة أكبر من المداخيل، كتولي كتفكر توقف، ولكن الوقوف راه معناه الجوع”.
أما فاطمة، زوجة بحار في ميناء أكادير ، فتقول وهي تضع يديها على خديها بقلق: “هاد العام مع مكاينش الضحية ما كيعطيونا لا تعويضات لا دعم، وكولشي ساكت، الراجل ديالي كيمشي يخدم وهو مهدد يرجع بخفي حنين، والوليدات خاصهم مصاريف العيد، وحتى حنا بغينا نفرحو بحال الناس”.
في ميناء ايمي وادار يروي محمد، صاحب قارب خشبي صغير، كيف اضطر لبيع حصيلته من السمك لتاجر بثمن زهيد: “واحد الكيلو ديال الميرلا بعناه بثلاثين درهم، ماشي حيث ما تستاهلش، ولكن حيث ماكينش اللي يشري، نفضل نبيعو بثمن بخس على نكبوه فالماء”
انه في غياب استراتيجيات واضحة لدعم هذا القطاع في المناسبات الموسمية، يظل الحرفي الصغير في الصيد البحري الحلقة الأضعف، يكابد ظروف اقتصادية صعبة، ويجد نفسه كل عام في هذه الفترة أمام تحديات تتكرر دون حلول جذرية.
من أبرز المشاكل التي تُثقِل كاهل هذه الفئة،
نجد غياب البنيات التحتية المخصصة للصيادين الصغار، حيث كثير من الموانئ تفتقر لمرافق تخزين أو أماكن لبيع المنتوج مباشرة، مما يجعل البحار رهينة لتجار الجملة والوسطاء باستثناء الموانئ الكبرى.
ما ضعف التنظيم المهني
الصيادون في الغالب ما يشتغلون فرادى أو خارج التعاونيات، ما يُضعف قدرتهم التفاوضية ويحرمهم من الدعم العمومي.
الاستنزاف البيولوجي للثروة السمكية
بفعل الصيد الجائر من طرف السفن الكبيرة أو مراكب الصيد في أعالي البحار، تقلصت الكميات المصطادة بالقرب من السواحل، ما زاد من صعوبة العمل اليومي للقوارب الصغيرة،
تهالك القوارب وضعف شروط السلامة
يقول الحاج حسن، صياد من منطقة تاغازوت: “السلطات كتفرض علينا شروط السلامة، ولكن ما كتعطيناش لا دعم لا تمويل باش نبدلو القوارب أو نصلحوها”.
وسط هذا المشهد، يبقى الصياد المحلي في أكادير حائرا بين غلاء المصاريف، ضعف المردودية، وانعدام آفاق تحسين الوضع، خصوصا مع غياب برامج عمومية مخصصة فعليا لدعمه في الفترات الصعبة، مثل موسم عيد الأضحى.
جدير بالذكر انه بين سنتي 2007 و2021، تولى عزيز أخنوش وزارة الفلاحة والصيد البحري، وشهد القطاع حينها إطلاق استراتيجية “أليوتيس” التي رووج لها باعتبارها خطة طموحة لتحديث قطاع الصيد البحري وتعزيز مردوديته الاقتصادية.
وبالرغم من تحقيق بعض المؤشرات الإيجابية، خاصة على مستوى الصادرات، إلا أن فئة الصيادين التقليديين ظلت إلى حد كبير خارج نطاق الاستفادة الفعلية من هذه السياسة.
“استراتيجية أليوتيس ركزت على الصيد الصناعي والتصدير، ولكن الصياد الصغير باقي كيشوف غير الفتات”، يعلق أحد المهنيين في قطاع الصيد التقليدي.
فقد تم تعزيز أسطول الصيد في أعالي البحار وتطوير البنيات التحتية في موانئ كبرى، بينما ظلت موانئ القوارب الصغيرة تفتقر لأبسط التجهيزات الأساسية.
كما أن الدعم العمومي الذي رُصد لتجديد القوارب أو معدات السلامة لم يصل إلى شريحة واسعة من الحرفيين، إما بسبب تعقيد المساطر، أو ضعف التنظيم التعاوني في هذه الفئة. في حين استمرت مشاكل مثل التلوث، تراجع المخزون السمكي، واحتكار التسويق من طرف شبكات الوسطاء، دون حلول جذرية.
بالإضافة إلى ذلك، لم تفعل بشكل فعال آليات الحماية الاجتماعية للصيادين الصغار، رغم الوعود المتكررة بإدماجهم في التغطية الصحية والتقاعد، واليوم، ومع اقتراب كل مناسبة موسمية كالعيد، تتجدد مظاهر الهشاشة نفسها، مما يطرح تساؤلات حول مدى نجاعة السياسات السابقة في حماية من يُفترض أنهم في صلب “تنمية مستدامة للثروة البحرية”.
هذه المشاهد تتكرر عبر مختلف القطاعات، من الصيد البحري إلى الصحافة، تتجلى ملامح سياسة تنحاز لفئة محدودة وتقصي الأغلبية، فالحكومة، بدل أن تضمن العدالة الاقتصادية والاجتماعية، تبدو وكأنها تتجه نحو إغناء الأغنياء وتهميش الفئات الهشة، تاركة الحرفيين الصغار، والصحافيين المستقلين، والعمال غير المهيكلين يواجهون مصيرهم في صمت.
هذا الواقع يعكس خلل في أولويات السياسات العمومية، لمن اذن تصاغ البرامج والتشريعات، إن لم تكن لمن هم في وضعية هشاشة؟