الرئسيةسياسة

إضراب عام يُشعل الجدل بين أرقام الحكومة التبخيسية وتأكيدات النقابات بنجاحه

تحرير: جيهان مشكور

كشف الإضراب العام الذي شهدته البلاد عن تباين كبير بين الأرقام التي أعلنتها النقابات وتلك التي قدمتها الحكومة، مما أثار جدلًا واسعًا حول مدى نجاح هذه الخطوة الاحتجاجية، ففي الوقت الذي أكدت فيه النقابات أن نسبة المشاركة تجاوزت 90% في القطاع العام و80% في القطاعات الأخرى، جاءت الأرقام الحكومية مغايرة تمامًا، حيث أعلن وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، أن نسبة الإضراب لم تتجاوز 1.4% في القطاع الخاص، بينما بلغت 32% فقط في القطاع العام.

هذا التباين في المعطيات ليس جديدًا على المشهد النقابي المغربي، إذ درجت الحكومات المتعاقبة على التقليل من أرقام الإضرابات، في حين تصر النقابات على إبراز حجم التجاوب الكبير مع دعواتها.

في هذا السياق، أوضح محمد الزويتن، الأمين العام لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، أن الجدل حول الأرقام يجب ألا يحجب الجوهر الحقيقي للإضراب، والذي يتمثل في الرسالة الموجهة إلى الحكومة بشأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعيشها فئات واسعة من المواطنين بسبب الغلاء والبطالة والتحديات التي يواجهها المتقاعدون.

وحتى إذا ما تم الأخذ بالأرقام الحكومية، فإن نسبة 32% في القطاع العام تبقى رقمًا مهمًا يعكس حجم التفاعل مع الإضراب، خاصة أنه جاء كرد فعل سريع على ما اعتبرته النقابات “محاولة تمرير قانون الإضراب في غياب توافق حقيقي”. وبهذا المعنى، يرى الزويتن أن الأمر لا يتعلق فقط بمسألة نسب المشاركة، بل بمؤشر على حالة الاحتقان التي تعيشها الشغيلة المغربية.

من جهته، أشار محمد الحطاطي، عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إلى أن تضارب الأرقام بين النقابات والحكومة هو أمر مألوف في تاريخ الإضرابات بالمغرب، مستشهدًا بحالات مماثلة في الماضي، مثل إضراب 14 ديسمبر 1990 وإضراب 20 يونيو 1981، حيث كانت الحكومة تقلل دائمًا من الأرقام رغم التأثير الواضح لهذه الحركات الاحتجاجية على الاقتصاد الوطني.

وأضاف أن التأثير الحقيقي للإضراب يظهر على أرض الواقع، حيث تعطلت العديد من المؤسسات التعليمية والخدمات البريدية والمصرفية والصحية والجماعات الترابية ووسائل النقل، مما جعل تأثيره ملموسًا لدى المواطنين.

وفيما تصر الحكومة على التقليل من أهمية الإضراب، ترى النقابات أنه كان ناجحًا بامتياز، ليس فقط على مستوى المشاركة، ولكن أيضًا من حيث توحيد المواقف بين مختلف الإطارات النقابية والحقوقية، في خطوة تؤكد على استمرار التعبئة ضد ما تعتبره “مشاريع لا تخدم سوى رأس المال والباطرونا”.

كما و يشدد النقابيون على أن المعركة لا تزال مفتوحة ضد تمرير قانون الإضراب، ودمج صندوقي التأمين الصحي، ومشروع إصلاح التقاعد الذي تستعد الحكومة للمصادقة عليه.

أما الوزير يونس السكوري، فقد قدم خلال الندوة الصحفية التي أعقبت المجلس الحكومي تفاصيل نسب الإضراب في القطاعات المختلفة، حيث بلغت 35.5% في قطاع التربية الوطنية والتعليم الأولي، و33.3% في قطاع الصحة، و30.5% في قطاع العدل، و26.4% في قطاع الجماعات الترابية، بينما سجل قطاع المؤسسات العمومية وامتداداتها نسبة 25.9%.

وفي مقابل هذه الأرقام، أصرت النقابات على أن نسبة النجاح كانت مرتفعة جدًا، حيث أكد يونس فيراشين، منسق جبهة الدفاع عن ممارسة حق الإضراب، أن الإضراب تجاوز 90% في القطاع العام و80% في القطاعات الأخرى، فيما أعلنت نقابة الاتحاد المغربي للشغل أن نسبة المشاركة بلغت 84.9%.

يبقى السؤال المطروح: هل ستدفع هذه النسب الحكومة إلى إعادة النظر في نهجها تجاه الملفات الاجتماعية الملحة؟ أم أن الهوة بين الطرفين ستستمر في الاتساع، مما ينذر بمزيد من الاحتقان والتصعيد في المستقبل؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى