تجاهل حكومي يعرقل مكافحة الفساد و هيئة النزاهة تدق ناقوس الخطر
13/02/2025
0
تحرير: جيهان مشكور
تجدد الجدل حول مشروع المسطرة الجنائية بعد أن كشفت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها عن عدم تفاعل الحكومة مع توصياتها، باستثناء واحدة فقط، رغم ما تحمله هذه التوصيات من أهمية في تعزيز آليات محاربة الفساد وإغلاق الثغرات القانونية التي قد تسهم في إفلات المتورطين من العقاب، حيث أبدت الهيئة رأيها في هذا المشروع منذ المسودة الأولى، و أكدت أن المسطرة الجنائية تمثل أداة قانونية جوهرية لضمان محاكمة عادلة للمشتبه في تورطهم في قضايا الفساد، وهو ما يجعل تكييفها مع المعايير الحديثة لمكافحة هذه الظاهرة ضرورة ملحة لا يمكن تجاهلها.
في هذا السياق أوضح رشيد المدور، نائب رئيس الهيئة،خلال يوم دراسي بمجلس النواب أن الهيئة اختارت، بمبادرة منها، تقديم رأيها في مشروع المسطرة الجنائية، تماشياً مع التزامها المؤسساتي بترسيخ الشفافية والمحاسبة، غير أن المفاجأة تمثلت في أن الحكومة لم تأخذ بعين الاعتبار سوى توصية واحدة، في حين تجاهلت بقية الملاحظات الجوهرية التي تضمنها التقرير السنوي للهيئة لسنة 2021، ما يثير تساؤلات حول مدى جدية الفاعلين الحكوميين في الاستجابة لمتطلبات تخليق الحياة العامة وتعزيز النزاهة في المنظومة القانونية.
و عقب مصادقة المجلس الحكومي، يوم 29 غشت 2024، على الصيغة الجديدة لمشروع القانون، باشرت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها دراسة معمقة لمضامينه، لتجد أن ملاحظاتها الجوهرية لم تلقَ الاستجابة المطلوبة، لكن المفاجأة لم تتوقف عند هذا الحد، إذ رصدت الهيئة إدراج ثلاثة مقتضيات جديدة أثارت لديها مخاوف جدية، نظراً لعدم انسجامها مع الأهداف المنشودة من تعديل النص القانوني.
وأمام هذه المستجدات، عقد مجلس الهيئة اجتماعاً بتاريخ 15 أكتوبر 2024، انتهى إلى إصدار تقرير محيَّن، يتضمن تحليلاً دقيقاً لهذه التعديلات، مرفقاً بسلسلة من التوصيات الإضافية لضمان توافق التشريع مع متطلبات النزاهة والشفافية.
فيما ركزت توصيات الهيئة، التي لم تحظَ بالتجاوب المطلوب، على محاور أساسية تهدف إلى تعزيز فعالية مكافحة الفساد، بدءاً من توفير بيئة قانونية تشجع على التبليغ والكشف عن جرائم الفساد، مروراً بتحصين الضمانات القانونية للمتعاونين والشهود، وصولاً إلى تفعيل آليات البحث والتحري بشكل أكثر ديناميكية وشفافية، كما شددت على ضرورة تحقيق توازن دقيق بين حماية الحقوق الفردية وضمان عدم استغلال المساطر القانونية لإفلات الجناة من العقاب، خاصة في ظل تطور أساليب الفساد واعتمادها على تقنيات معقدة تستوجب تحديث أدوات المكافحة باستمرار.
من جهة أخرى، أكدت الهيئة أن رؤيتها لإصلاح المسطرة الجنائية تستند إلى ضرورة التوفيق بين متطلبات حماية الحريات الفردية ومبدأ سيادة القانون، بما يضمن حقوق المتهمين ويحقق العدالة للضحايا، في إطار احترام الضوابط القانونية التي تكرس الإنصاف.
فالنص القانوني، وفقاً للهيئة، لا ينبغي أن يكون مجرد أداة عقابية، بل يجب أن يشكل إطاراً متكاملاً يحقق العدالة الجنائية بكفاءة وفعالية، مع ضمان عدم استغلال الثغرات القانونية لتعطيل ملاحقة قضايا الفساد الكبرى.
وشددت الهيئة أيضاً على أن تطوير النصوص القانونية المنظمة للمساطر الجنائية يجب أن يتم في إطار رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار التوجهات الدستورية التي كرست أهمية تخليق الحياة العامة، والالتزامات الدولية للمغرب في مجال مكافحة الفساد، فالدول الرائدة في هذا المجال تبنت إصلاحات جوهرية في أنظمتها القانونية لتعزيز قدرات مؤسساتها في البحث والتحقيق، وتعميق التعاون الدولي في التصدي لجرائم الفساد العابرة للحدود، وهو ما ينبغي أن يكون من أولويات الإصلاح القانوني في المغرب.
و في نفس السياق، يكشف التحليل الذي قدمته الهيئة عن إشكالية أعمق تتعلق بطريقة تعاطي الحكومة مع مؤسسات الحكامة والرقابة، فعدم التجاوب مع توصيات مؤسسة دستورية متخصصة في محاربة الفساد يطرح تساؤلات حول مدى جدية السلطات في تنزيل سياسات فعالة لمكافحة الظاهرة، كما يسلط الضوء على ضرورة إعادة النظر في منهجية إعداد مشاريع القوانين ذات الأهمية الكبرى، لضمان إشراك الفاعلين المتخصصين وضمان ألا تكون الإصلاحات مجرد تعديلات شكلية لا تمس جوهر المشكلات القائمة.
في ظل هذا الواقع، يبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كانت الحكومة ستعيد النظر في موقفها وتأخذ بتوصيات الهيئة، أم أن مشروع المسطرة الجنائية سيظل بعيداً عن تحقيق الأهداف المرجوة في محاربة الفساد وتعزيز الشفافية والعدالة الجنائية؟