الرئسيةثقافة وفنوندابا tv

انطلاقة السينما المغربية في مسار جديد…سبعينات القرن العشرين عشرية المؤلفين+فيديو

بقلم الكاتب والناقد السينمائي: محمد بكريم

مع فجر سبعينيات القرن العشرين، انطلقت السينما المغربية في مسار جديد. نتيجة عدة معطيات ظرفية وهيكلية. فهناك التموقع الجديد للدولة التي وجدت في الوسيط الجديد، التلفزيون، وسيلتها المفضلة للتعبير، ولتشكيل الرأي العام وتوجيهه. وبالتالي سوف تنسحب بشكل متزايد من الإنتاج السينمائي بعد أن أصبح التلفزيون “الطفل المفضل” للسلطات العمومية، وضعية فرضت على السينما ان تصبح هي “الابن العاق” الذي بشر به العنوان التنبؤي لفيلم محمد عصفور.

وكأنه بذلك الفيلم الافتتاحي رسم قدر السينما المغربية. ولكن رب نقمة فيها نعمة: عندما ننظر اليوم إلى الوراء، يمكننا أن نقول إنها كانت فرصة تاريخية للسينما المغربية، فرصة الولادة / التأسيس في غياب أو على هامش الدولة، بل وأحيانا “ضد” الدولة.

فرضيتي هي إن السينما المغربية ستصوغ اختياراتها الأساسية في استقلالية تامة ولن تكون أبدا أداة في خدمة التوجهات الرسمية، مثل حالة بعض الدول في محيطنا الثقافي التي ستعتمد على السينما المدعومة من الدولة (سينما القطاع العام: الجزائر، مصر، سوريا/ العراق…) … وهو خيار ستثبت التجربة (في شكلها البيروقراطي) أنه بلا أفق.

سينما المؤلف

وهكذا، ابتداء من عام 1970، برز طريق مميز أمام السينما المغربية بإنتاج مستقل من طرف مخرجين- منتجين في صيغة محلية لسينما المؤلف التي نُحتت كمفهوم في سياق دولي آخر.

وسيشكل ذلك التوجه علامة فارقة ، وسيميز السنوات التالية مما يسمح بالقول إن هذه السنوات يمكن تصنيفها ب”عشرية المؤلفين” في تاريخ السينما المغربية، ولعل فيلم “وشمة” لحميد بناني (1970) هو العنوان الرمز لهذه المرحلة.

فيلم موسوم في أسلوب إنتاجه، كما في خياراته الجمالية والفنية، بأيديولوجية عصره. نمط انتاج جماعي، وحمولة فنية/ ثقافية تطمح أن تكون راسخة في بيئتها في مسار جدلي يسعى لطرح مضامين جديدة في أشكال تعبيرية جديدة. بلغة اليوم تبني سرديات مضادة للسرديات السائدة (هوليود ، -نيل-وود ، بوليود)

وسوف يكون فيلم “وشمة” بمثابة البيان التأسيسي وأول تطبيق عملي لهذا البرنامج على مستوى نمط انتاجه (نوع من التعاونية) وكتابته وانجازه. وشمة عنوانًا عامًا لمرحلة ولطريقة كاملة في صناعة السينما. وسوف يعتبره العديد من السينيفيليين بمثابة المرجع الأول لميلاد السينما المغربية. وهذا يتوافق في الواقع مع طبيعة ونوعية الثقافة السينمائية السائدة أنداك والتي ستجد تتويجها في التحول “المذهبي” الذي ستعرفه الجامعة الوطنية لأندية السينما (ابتداء من 1973) والتي ستجد في فيلم “وشمة” دعما وتأكيدا لمشروعها المتمحور حول شعار من أجل “سينما وطنية”.

وسيحظى الفيلم بحضور خاص في برمجتها بجانب سينمات جديدة قادمة من “المحيط السينمائي” بمعناه الجغرافي (ما كان يسمى بالعالم الثالث) وبمعناه الثقافي أي السينما الجديدة بالشمال. وذلك بفضل الدور المركزي الذي لعبه الراحل نور الدين الصايل لترسيخ هذا التوجه.


“سينما المؤلف” ستشكل أحد الاتجاهات المؤسسة لهذه السينما والتي أنتجت أهم أعمالها في سبعينيات القرن الماضي بعناوين تحضر بقوة في كل مقاربة تاريخية وفنية للمتن الفيلمي المغربي، الى جانب هذا المعطى الحاسم ستعرف هذه العشرية معدل انتاج جد متوسط ، حوالي 16 فيلما طويلا. وسيبرز اثنان من صناع الأفلام بسبب انتظام انتاجهم، حيث حققوا ما يقرب من نصف هذا الرقم. وهم عبد الله المصباحي ب 4 أفلام وسهيل بنبركة ب 3 أفلام.

في حين سيقدم تسعة مخرجين آخرين أفلامهم الطويلة الأولى خلال هذا العقد، ومن بينهم المخرج محمد عصفور الذي سيعود الى الإخراج مع انجاز فيلمه الأول بمقاييس احترافية، وهو فيلم “الكنز المرصود”.

الصورة المستوحاة من هكذا وضع تبرز توجهين أساسين، سينما ذات طموحات فنية وثقافية مطابقة لروح العصر التي يحملها مؤلفون يرغبون في انتاج متخيل سردي يسائل الواقع بنظرة متجددة، واعتبار السينما كأداة التعبير وكمكون للرأسمال الرمزي للمجتمع بجانب الفنون الأخرى.

وأمام هذه النواة الواعدة، سيطلق عبد الله المصباحي تياراً حيوياً رافعته توجهات تجارية صريحة والمستوحاة من النموذج المصري. العنوان الرمزي لهذا النهج هو “الصمت، اتجاه ممنوع” (1973) مع المغني عبد الهادي بلخياط في الدور الرئيسي.

وهو عبارة عن مونتاج لأغاني مشهورة، يقدمه سرد بسيط مع سذاجة كبيرة في التمثيل وتصوير المواقف (ورغم ذلك انتقلنا جماع ة لمشاهدته بسينما شهرزاد بالبيضاء معبرين عن تعطش جيلنا لسينما مغربية) ، ويمكن اعتبار فيلم عصفور “الكنز المرصود” (1970) محاولة أخرى لدعم هذا التوجه “التجاري” باعتماده مثلا على احد أبطال المصارعة (الحاج فنان)…

عموما هذا المنحى سيبقى كمعطى تاريخي وسوسيولوجي دون أن يكون له نفس التأثير الذي ستحظى به سينما المؤلفين من زاوية التاريخ “الممتد”. وال جانب ذلك، يمكننا أن نلاحظ بعض الفروق الدقيقة ضمن الاتجاه الموصوف بالسينما المؤلف.

بعض الاتجاهات

في قراءة تركيبية لهذا الإنتاج المتميز أطرح بعض التصنيفات التي لا تخلو من تعسف يفرضه نوع التمرين:

– سينما واقعية – اجتماعية “سياسية” ذات منحى نحو العالمية، وتتجلى في أفلام سهيل بن بركة: ألف يد ويد (1972)، و”حرب البترول لن تقع” (1974)؛ و”عرس الدم” (1977).

– سينما التفكيك، التي تشتغل منذ البداية على اللغة السينمائية ذاتها، في مواجهة صريحة مع الأنماط السردية السائدة. القادمة سواء من الشرق (العربي) أو الغرب.. سينما يمثلها مصطفى الدرقاوي بفيلمه “أحداث بدون دلالة” (1974)

– سينما منخرطة في الاستقصاء الثقافي تأسيسا لحكايات مستمدة من التراث الأسطوري والرمزي مع متغيرات فرعية هنا وهناك وهي سمات أفلام حميد بناني “وشمة” ، مومن السميحي “الشرقي أو الصمت العنيف” (1975) والجيلالي فرحاتي “جرحة في الحائط” (1977) و أحمد البوعناني “سراب” (1979).

إن فيلم بناني يثري هذا الترسيخ الثقافي المحلي باستلهام مكاسب العلوم الإنسانية (السيمائيات، التحليلي نفسي إلى حد كبير)؛ في حين يميل فيلم السميحي “الشرقي” الى مساءلة الممارسات التقليدية الشعبية على ضوء صدمة الحداثة في تركيب لشذرات من الميثولوجيا المغربية عبر علامات ورموز تؤثث اليومي.

أو حضور المرأة أو بالأحرى جسد المرأة كخطاب استعاري لوضعية الانحباس مع “جرحة في الحائط” لجيلالي فرحاتي ويتناول فيلم “سراب” أحمد البوعناني (1979) نهج الحكاية الشعبية لرسم مسار شخصية هي نوع من “البطل -المضاد (anti-héros) ويلقي به في متاهات الذاكرة الجمعية ومحيط اجتماعي وثقافي دون نقاط ارتكاز مرجعية في عالم – سراب.

– “سينما الواقع”، تسجيلية – تخييلية. عمادها نظرة أنثروبولوجية وتركيب سينمائي يرد الاعتبار الرمزي للريف مع فيلم “ليام أليام” لأحمد معنوني (1978).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى