
الـرؤيـا الـعـربـيـة لـ«الـيـوم الـتـالـي» فـي غـزة
عن “هآرتس” وترجمة “الأيام الفلسطنية”
القمة العربية “المصغرة”، التي كان مقرراً عقدها في الرياض، غدا الخميس، والتي ستشارك فيها السعودية، قطر، الإمارات، مصر، الأردن والسلطة الفلسطينية، تم تأجيلها يوماً واحداً.
تفسير التأجيل هو “تنسيق الجدول الزمني”، الذي سيمكن من توسيع إطار القمة بحيث تشمل زعماء دول الخليج الستة، لطرح عرض قوة حقيقي لكتلة الدول الغنية، التي تؤيد الغرب، على الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
قبل ذلك نشر المتحدث بلسان الجامعة العربية بأن القمة التي كان من المقرر عقدها في 27 فبراير الحالي في القاهرة يمكن أن يتم تأجيلها لأن بعض الزعماء العرب حتى الآن لم يبلغوا عن نية مشاركتهم فيها.
يبدو أن هؤلاء الزعماء لا يرون أي فائدة من المشاركة في قمة عربية موسعة، يطمح إليها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فقط من أجل أن تكون خاتماً مطاطاً للقرارات الجوهرية التي سيتم اتخاذها في القمة المصغرة.
تضارب المواعيد يمكن أن يتم حله. ولكنه يشير إلى الضائقة الكبيرة التي وجد فيها زعماء الدول الرائدة أنفسهم.
هذه الدول أخذت على عاتقها عبء صياغة خطة عمل تواجه سوط الترانسفير الذي يلوح به ترامب، الذي يهدد بشكل مباشر مصر والأردن.
من الأفضل في هذه الأثناء عدم حبس الأنفاس قبل اجتماع القمتين.
تاريخياً لم تنجح مؤتمرات القمة الموسعة أو المقلصة في حل النزاعات الإقليمية أو وقف الحروب. في السابق وضعت هذه المؤتمرات المبادئ التي خلقت ما تسمى “ضبابية” الموقف العربي. وهي قاسم مشترك، فكري أو أيديولوجي، متخيل، لم يقم بإملاء سلوك بعض الدول حقاً.
لقد شذت عن ذلك القمم التي أكدت تمثيل م.ت.ف الحصري للفلسطينيين، قمة بيروت في العام 2002 التي تبنت المبادرة السعودية، وحولتها إلى “المبادرة العربية”.
وجدت الدول العربية الرائدة، الآن، نفسها تحت المكبس الذي هدد إسرائيل في فترة الرئيس بايدن، حيث طلب منها تقديم خطة لـ”اليوم التالي”.
لا تستطيع هذه الدول الاكتفاء الآن بإدانة ورفض فكرة الترانسفير، أو “ورقة عمل” لرفع العتب مثل الخطة المصرية التي يتعلق أساسها بخطة إعادة إعمار قطاع غزة، وتشغيل البنى التحتية من قبل إدارة فلسطينية تكون خاضعة للسلطة الفلسطينية.
أمام تصريح نتنياهو، الذي بحسبه “بعد الحرب لن تكون حماس أو سلطة فلسطينية”، أعلن مصدر رفيع في “حماس”، أسامة حمدان، أن “حماس لن تتنازل عن غزة في أي إطار تفاهمات، ولن تقدم أي تنازلات مقابل إعمار غزة”. بلهجة مهددة حذر حمدان من أن “كل من يحلّ مكان الاحتلال في غزة أو في أي مدينة أخرى في فلسطين سنستخدم ضده المقاومة كما نفعل مع الاحتلال. هذا موضوع منتهٍ وغير قابل للنقاش”.
بناء على ذلك، فإن هامش عمل الدول العربية يتعلق الآن بالأساس بـ”التفويض”، الذي ستحصل عليه من دونالد ترامب، ولكنه تفويض محدد بالنطاق والوقت.
من تصريحات ترامب ومبعوثيه في المنطقة، على رأسهم ستيف ويتكوف، يمكن الاستنتاج بأنه حتى لو تنازل الرئيس الأميركي عن خطة الترانسفير، التي بدأت تترسخ بحد ذاتها، فإنه لن يكون أي تنازل عن إبعاد “حماس” عن المنظومة المدنية والسياسية التي ستقوم بإدارة غزة. هذه الدول أيضاً ملقى عليها مهمة طرح خطة عمل للنضال ضد استمرار تواجد “حماس” العسكري في القطاع.
في الأسبوع الماضي طرح الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، إطاراً فكرياً لحل هذه المسألة. في مقابلة تلفزيونية قال: “إذا اقتضت النظرة الدولية والمصلحة الفلسطينية بشكل واضح أن يتم إبعاد “حماس” عن الصورة فيجب فعل ذلك بموافقة عربية وتنسيق فلسطيني، من أجل أن تتولى السلطة الفلسطينية المسؤولية وتدير القطاع”.
بدأ هذا الموقف يراكم التأييد له. وهو يستند إلى تصريحات سابقة لـ”حماس” مناقضة لتصريح حمدان الأخير، الذي بحسبه “حماس” مستعدة للتنازل عن السيطرة على قطاع غزة ونقله إلى يد “لجنة مهنية”، كما اقترحت مصر.
تؤيد الإمارات اقتراح أحمد أبو الغيط، وحتى الآن لم يسمع موقف السعودية وقطر. المشكلة هي أن هذا الاقتراح هو كلاسيكي، وتعرج دبلوماسي غير ملزم، وهو لا يعرض أي حل جدي لثلاث قضايا رئيسية: أي قوة عسكرية ستدير القطاع؟ كيف يمكن إبعاد الذراع العسكرية لـ”حماس”، كتائب عز الدين القسام، من القطاع على الأقل؟ وما الذي ستفعله الدول العربية إذا تحطمت المرحلة الثانية في اتفاق وقف إطلاق النار قبل تنفيذها وقامت إسرائيل باستئناف الحرب؟ فقط إذا كان ترامب مستعداً لإعادة النظر في إمكانية تولي السلطة الفلسطينية، إضافة إلى قوة عربية ودولية، الصلاحية لإدارة النضال العسكري ضد “حماس”، وإذا نجح في تجنيد قطر لدفع “حماس” على الموافقة على نزع سلاحها، فإنه يمكن التفكير في البدء في التسوية.
دون أي خطة تضمن حلولاً منطقية لهذه القضايا فإن القمة العربية يمكن أن تعود إلى نقطة البداية. أي أن زعماء الدول العربية، بالأساس السعودية، يمكنهم نظرياً استخدام أداة الضغط الموجودة لديهم على الولايات المتحدة من أجل وقف تطبيق الترانسفير، لكن ليس استمرار الحرب واحتلال إسرائيل للقطاع بشكل كامل.
مع هذه النتيجة فإن الأردن ومصر ربما ستنجوان من تهديد فيضان اللاجئين الذي يتوقع أن يغرقها حسب خطة ترامب، لكن في الوقت ذاته سيعود قطاع غزة إلى “حضن” إسرائيل، التي ستكون مدعومة من ترامب. هناك شك كبير إذا كان ويتكوف عندها يمكنه تنفيذ وعده بإعادة جميع المخطوفين.
حتى لو نجحت الدول العربية في إقناع ترامب بالنزول عن شجرة الترانسفير دون أي حل متفق عليه لمستقبل غزة، فإن إسرائيل هي التي ستبقى مع الحاجة إلى إدارة حياة مليونَي شخص في غزة.
ومن المشكوك فيه إذا كانت أي دولة عربية أو غربية ستوافق على المشاركة في تكلفة ترميم القطاع أو الإسهام في إعادة الإعمار.
لا حاجة للإضافة أيضاً بأن حلم التطبيع مع السعودية سيستمر في احتلال مكان شرف في هذا الحلم الوهمي.