شكلت حركة 20 فبراير حدثا فارقا في الحياة السياسية المغربية الحديثة، لا فقط بحجم المشاركة الجماهيرية في فعاليتها، ولا حتى بحجم الحضور المكثف والقوي للشباب، ولا حتى بحجم حضور المدن والقرى، بل وإضافة لكل ذلك، بوضوح مطالبها وشعاراتها وباختصارها أعطاب ومفارقات النطام السياسي، وبتبيانها فوات المشهد السياسي، وانحصار اللعبة السياسية في جسم صغير، لا يعبر نهائيا عن حيوية الحقل السياسي والاجتماعي المغربي.
لا يتعلق الأمر في توصيف حركة 20 فبراير بأنها حركة اجتماعية كلاسيكية، ولا حتى بكونها حركة احتجاجية عادية يسهل وضع تسمية لها، بل يتعلق الأمر بضمير مجتمعي، صرخة مجتمعية، وضعت الجميع موضع سؤال مازال مفتوح إلى اليوم، وضعت الطبقة السياسية أمام جبنها وترددها بل وانحطاطها، ووضعت النظام السياسي أمام حقيقته، نظام خارج منطق العصر، نظام سياسي مكلف اجتماعيا وثقافيا وسياسيا، فضلا على كونه سلطويا، عرت حقيقة الأحزاب السياسية والتنظيمات النقابية وحتى تعبيرات ما يسمى مجتمعا مدنيا، وقالت بوضوح أن هناك حاجة ضاغطة قبل فوات الأوان لإحداث نهضة سياسية وثقافية، تنهي مع التردد والمحافظة.
أظهرت حركة 20 فبراير بوضوح أيضا، أن مقولة العزوف السياسي، مقولة قاصرة في توصيف الحقيقة الفعلية للحقل السياسي، وأن العزوف هو عزوف على سياسة محددة، وعلى قواعد لعبة سياسية هجينة، ومصاغة بشكل يضمن استمرار تعايش الفساد مع الاستبداد، وتعايش الثروة مع السلطة، وتعايش الفوارق الاجتماعية والمجالية مع نمودج تنموي فاشل ويبقي على تلك الفوارق.
ناهضت حركة 20 فبراير وبوضوح الأبوية أنى كان مصدرها وشكلها، أبوية الدولة، وأيضا أبوية الأحزاب السياسية بكل ألونها وأنواعها، وطرحت منظورا جديدا واضحا في صياغة علاقة متوازنة بين المجتمع، وبين الدولة بمختلف طوابقها.
فتحت حركة 20 فبراير المغرب بكل قراه ومدنه وهوامشه، على فضاء النضال الأفقي والعمودي، وفي الجوهر نبهت لضرورة ربط سؤال التغيير السياسي، بسؤال التغيير الاجتماعي، وتغيير منظور معين للتنمية وللنمودج الاقتصادي، الذي يبقي على اللاعدالة وعلى التقسيم الاستعماري للمغرب، المغرب النافع والمغرب غير النافع.
لو شئنا أن نسرد كل الدروس التي قدمتها حركة 20 فبراير، فإن الحيز لا يسمح بذلك، لكن بالإمكان القول، أنه وحتى وإن اظهرت الدولة في بداية الحركة، أنها تفهمت المطالب، وانحنى النظام السياسي قليلا، وأظهرت الأحزاب بما فيها تلك التي ناصرتها أنها استوعبت الدرس، وفهمت معنى خوض القطائع وصياغة منظور جديد لاستراتيجية التغيير، ووو فإن الجميع سرعان ما عاد لما كان عليه، مظهرا أنه فعليا لم يستوعب جيدا معنى أو معاني ودلالات حركة 20 فبراير في تاريخ المغرب، بدليل ما يحدث من تصويبات وتصحيحات بما يعتبر نقط ضعف للحركة، حركة 20 فبراير كحركة تاريخية، والتي خاضها حراك الريف وحراك جرادة وكل الحراكات الاجتماعية، التي يعرفها المغرب اليوم، ودلكم موضوع أخر سنعود إليه.
زر الذهاب إلى الأعلى