الرئسيةثقافة وفنون

روبرت دي نيرو: بين عبقرية الأداء وتعقيدات الحبكة في “Zero Day”

يشكّل ظهور روبرت دي نيرو في مسلسل جديد على منصة “نتفليكس” حدثاً استثنائياً يثير فضول المشاهدين، ويدفعهم إلى استكشاف العمل بدافع الإعجاب بتاريخ الممثل العريق.

فبعد ستة عقود من العطاء السينمائي، يخوض دي نيرو تجربته التلفزيونية الأولى عبر مسلسل الإثارة السياسية “Zero Day”، مقدّماً دور الرئيس الأميركي السابق جورج مولان، في تجربة تمزج بين البراعة التمثيلية والتعقيد السردي.

يُفتتح المسلسل بمشهد يضع المشاهد أمام شخصية الرئيس السابق الذي يعيش تقاعده في ضاحية هادئة بنيويورك، محاولاً التعايش مع روتين يومي يبدو منمقاً ومثاليًا ظاهريا، إلا أن التفاصيل تكشف تدريجياً عن عقل مشوش وأفكار مضطربة، حيث يعاني مولان من صعوبات ذهنية تجعله يبدو على حافة فقدان الإدراك، لكنّ هجوماً سيبرانياً يضرب الولايات المتحدة، مستهدفاً البنية التحتية للكهرباء والاتصالات، ما يؤدي إلى كارثة بشرية تخلف آلاف الضحايا، يعيد الرئيس السابق إلى المشهد السياسي عبر استدعائه للتحقيق في الحادثة.

يستند المسلسل إلى عناصر الإثارة السياسية التي أثبتت نجاحها في إنتاجات “نتفليكس” السابقة، مثل “House of Cards” و”The Night Agent”، معتمداً على خبرة دي نيرو في تجسيد الشخصيات القوية والمؤثرة.

و يجسد مولان نموذجاً للرئيس الذي يتمتع بشعبية واسعة، لكنه يعيش أزمة داخلية بين الماضي والحاضر، حيث تطارده رؤى وأصوات تضعه في حالة من الانفصال عن الواقع، ويتقاطع هذا الصراع الشخصي مع تحقيقه في الجهة المسؤولة عن الهجوم، بين اتهامات لوكالات استخبارات أجنبية وشركات التكنولوجيا الناشئة، مما يعكس قضايا معاصرة حول مخاطر التحكم الرقمي والاختراق السيبراني.

لا تقتصر تعقيدات المسلسل على حبكته السياسية، بل تمتد إلى شبكة العلاقات الشخصية لمولان، حيث يجد نفسه في صراع مع ابنته أليكس، عضو الكونغرس الطموحة، ومع زوجته القاضية السابقة شيلا، إضافة إلى توتر علاقته بمساعده الخاص رودجر ومديرة مكتبه فاليري، تضيف هذه الشخصيات بُعداً درامياً، لكنها في الوقت ذاته تعكس بعض أوجه التشتيت السردي الذي يعاني منه المسلسل، حيث تتداخل عدة موضوعات دون أن تُعطى المساحة الكافية لمعالجتها بعمق.

و إلى جانب الحبكة المشوقة، يطرح المسلسل رؤية نقدية لدور وسائل الإعلام الحديثة وتأثيرها على تشكيل الرأي العام، حيث تتصدر المنصات الرقمية والمحتوى السريع المشهد، مهددةً الحقائق بكمٍّ هائل من المعلومات المضللة، ما يضفي الواقعيةً إلى العمل، خاصةً في ظل الحديث عن صراع القوى بين جيل التكنولوجيا الصاعد والطبقة السياسية التقليدية، وهو تلميح غير مباشر إلى تأثير شخصيات مثل إيلون ماسك ومارك زوكربرغ على مسار الحكم والسياسة الأميركية.

و على الرغم من قوة أداء دي نيرو وتماسك شخصيته على الشاشة، إلا أن بعض التحديات تبرز في المسلسل، إذ تبدو بعض الأحداث متسرعة وغير مدروسة بشكل كافٍ، ما يحد من إمكانية تعمق المشاهد في القضايا المطروحة، كما تميز النص من حيث الفكرة، لا يُخفي التردد في الذهاب إلى أقصى درجات التحليل السياسي والاجتماعي، ما يجعله أقرب إلى عمل إثارة خفيف بدل أن يكون دراما سياسية متماسكة.

أشار دي نيرو في مقابلة مع وكالة “رويترز”، إلى أن شخصية مولان ذكّرته بالرئيس الأميركي جو بايدن، وهو تشابه يلفت الانتباه، لا سيما أن الاثنين يتشاركان تحديات صحية وقرارات سياسية صعبة.
ورغم أن المسلسل يتجنب التلميحات السياسية المباشرة، إلا أن الإسقاطات واضحة على واقع الزعماء الذين يواجهون ضغوطاً متزايدة مع تقدمهم في العمر.

و على الرغم من العيوب السردية، يبقى “Zero Day” تجربة ممتعة وسريعة الوتيرة، مستندة إلى وهج نجمها الرئيسي الذي يمنحها قوة خاصة.

قد لا يكون المسلسل تحفة درامية، لكنه بالتأكيد فرصة لمشاهدة دي نيرو في أداء يثبت مرة أخرى لماذا يُعدّ واحداً من أعظم الممثلين في تاريخ السينما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى