الرئسيةرأي/ كرونيك

صورة الأنثى ضيعت مسلسل صراع العروش (بين الرواية وأحداث المسلسل)

الفيلسوف والناقد الثقافي السلوفيني سلافوي جيجك *slavoj žižek يحلل الحلقة الأخيرة من هذا المسلسل الناجح.

ترجمة عبد الكريم وشاشا

الموسم الثامن والأخير من مسلسل صراع العروش الأكثر متابعة في تاريخ المسلسلات أحدث ضجة كبيرة وأثار موجة من الاستنكار والاحتجاج وصلت إلى حد تقديم عريضة (عدد التوقيعات وصلت إلى مليون توقيع) من قبل متفرجين ساخطين، غير راضين عن الموسم بكامله (ستة حلقات في هذا الموسم)، يطالبون بإعادته من جديد.. إن هذه التداعيات التي خلفها هذا المسلسل والنقاشات الحادة التي دارت حوله لهي دليل على أهمية القضايا الإيديولوجية وخطورتها .

ومن بين النقط العديدة التي أثارت هذا السخط العارم هي:

السيناريو الرديء الذي تم تحت ضغط نهاية سريعة للمسلسل، كما أن السرد المتعدد والمركب والذي تميز به المسلسل تم تبسيطه ،

وهناك أيضا سيكولوجية الشخصيات وتطورها غير مقنعة خاصة سيكولوجية دانيرس تارجاريان والتي تحولت إلى ” ملكة مجنونة ومدمرة ” … الخ

صحيح أنه في حل العقدة المفاجئ للمسلسل، حل منطق غريب انتهك مصداقية المسارات والعوامل النفسية، بل والرؤى والأفكار السردية، فهذا الموسم الأخير دار فقط حول:

الاستعدادات لخوض الحرب ،
الخسارة والحداد ، تم التدمير والخراب بعد المعركة ، واستعرض كل تفاصيل الحرب الرمادية الخالية من كل معنى، وهذا يبدو لي أكثر واقعية من المؤامرات المألوفة والمكرورة الميلودرامية القوطية.

دافع قديم مناهض للمرأة

إن عالم ” صراع العروش ” (يشبه عالم ” سيد الخواتم “) عالم تسكنه الأرواح لكنه غير إلهي:

توجد قوى فوق طبيعية، لكنها تنتمي إلى الطبيعة، بدون آلهة قادرة على كل شيء وبدون كهنة في خدمتها. في هذا الإطار، فإن حلقات الموسم الثامن متناسقة ومترابطة بعمق:

فهناك ثلاثة مشاهد لثلاثة صراعات متعاقبة؛

الصراع الأول دار بين البشر وغير البشر ” الآخرون ” الذي جسده جيش الليل القادم من الشمال يقوده ملك الليل ،

والمشهد أو الصراع الثاني هو الذي دار بين المجموعتين الأساسيتين من البشر، جيش لانيستر الأشرار وحلفاؤه تقوده سيرسي وبين جيش دانيرس تارجاريان وعائلة ستارك ،

ثم الثالث والأخير داخلي بين دانيرس وأولاد ستارك .

لهذا السبب فإن حروب الموسم الثامن تتبع طريقا منطقيا يتراوح من تناقض خارجي إلى انقسام داخلي:

القضاء على جيش ملك الليل ،

القضاء على جيش لانيستر، وتدمير البلاط الملكي ،

والمواجهة الأخيرة بين دانيرس وعائلة ستارك ، وبإجمال بين “خيرة” طبقة النبلاء التقليدية (عائلة ستارك) التي تدافع بأمانة وبعدل عن رعاياها ضد المستبدين، وضد دانيرس كنموذج جديد لحاكمة قوية، صيغة بونابارتية تقدمية تتحرك باسم المحرومين (المخصيين والهمج… الخ).

إن مخاطر الصراع الأخير هي كالتالي، لنقولها بكل بساطة:

هل الثورة ضد الاستبداد ما هي إلا صراع للعودة لنفس التراتبية الطبقية (أو الوضع الطبقي السابق )،

وهل سيتطور الأمر نحو البحث عن نظام جديد وضروري ؟؟

المشاهدون غاضبون لديهم مشكل مع هذا الصراع الأخير – وهذا ليس غريبا، لأنه يؤيد سبب قديم يناهض المرأة يوجد عند هيغل، وشيلينغ، وفاغنر ..

فالمرأة في نظرهم تحول القضايا والأهداف العامة إلى مسائل شخصية وتحرف الملكية العامة للدولة إلى حيازة خاصة وإلى حلي عائلية …

فليس هناك شيء أكثر فظاعة واشمئزازا من تدخل امرأة في الحياة السياسية، التي يحركها حب السلطة، فعلى عكس تطلعات الرجال، فإن النساء تسعى إلى السلطة من أجل تحقيق وتعزيز منافعهن الخاصة والعائلية، والأكثر من ذلك، تحقيق نزواتهن الشخصية، عاجزات تماما عن إدراك البعد العام لسياسة الدولة ..
(…)

فأكثر الحوارات ضعفا هو الذي كان في اللحظة الذي خاطبت فيه دانيرس جون سنو قائلة:

إذا لم يستطع أن يحبها كملكة، فإن الخوف هو الذي سوف يسود ، قول مخجل ووضيع لامرأة غير مثارة جنسيا والذي بعده ستنفجر بغضب ماحق ومدمر..

السلطة مفسدة للمرأة

لكن – اللحظة التي ضغطنا فيها على أسناننا – ماذا عن نوبات الغضب القاتلة لدانيرس ؟ هل الجرائم البشعة لآلاف المواطنين الأبرياء المدنيين هي مرحلة ضرورية لمعانقة الحرية؟ نعم الأمر لا يغتفر.

لكن في هذا المستوى، يجب التذكير بأن كتابة السيناريو قام بها رجلان ؛

فدانيريس التي تحولت إلى “ملكة مجنونة” هي تخيلات أو فنتازم ذكوري واضح .

إذن فالانتقادات التي وجهت كانت صائبة عندما قالت بأن تطور شخصيتها غير مبررة سيكولوجيا فصورة دانيريس وعلى وجهها ترتسم تلك التعابير الجنونية المخيفة وهي تمتطي تنين مجنح يحرق المنازل ومن يسكنها، ما هي في الحقيقة إلا تعبير لإيديولوجية ذكورية بطريريكية تخشى من امرأة حاكمة قوية …

تهميش كل النساء في هذا المسلسل، هو عنصر ومفتاح لفهم الدرس الليبرالي المحافظ النهائي :

يجب على كل الثورات أن تنتهي بشكل سيء، فهي لا تأتي إلا بمستبدين جدد .

ويمكن تلخيص هذا الدرس الليبرالي المحافظ بكلمات جون سنو التي وجهها إلى دانيريس :

لم أفكر أبدا بأن التنانين ستظهر مرة أخرى. لا أحد فكر في ذلك، الناس الذين يتبعونك يعرفون أنك قمت بالمستحيل، وهذا يساعدهم على الاعتقاد بأنه يمكن لك القيام بأمور أخرى مستحيلة :

خلق عالم مختلف عن الويلات التي يعيشونها يوميا؛ لكن إذا استعملت التنانين في بناء القصور وحرق المدن، فأنت غير مختلفة، فأنت تشبهين الآخرين .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى