الرئسيةرأي/ كرونيك

ترامب وزيلينسكي.. ولعبة الروليت الروسي

 بقلم: إبراهيم  امال أستاذة العلاقات الدولية والتواصل السياسي

لا حديث في الأوساط السياسية والإعلام الدولي في الساعات الأخيرة إلا عن اللقاء الذي جمع بين الرئيسين الأمريكي والأوكراني، لقاء يذكرنا بالمسرحيات الدرامية لوليام شكسبير حيث تتصاعد التوترات كاشفة عن مكامن الضعف والقوة في شخصياتها ومدى قدرتها على التعامل مع الضغط العاطفي والسياسي.

المشادة السياسية بين ترامب وفانس وزيلينسكي كانت أشبه بلعبة مصارعة الأذرع (Arm wrestling)، في محاولة الطرف الأمريكي فرض مواقفه وتفوقه وسيطرته على الآخر بغية الوصول إلى نقطة الانهيار أو الاستسلام. فيما اضطر الطرف الأوكراني إلى تبني استراتيجية دفاعية، عساها تمكنه من إقناع القوة العظمى بالاستمرار في دعمها.

ففي الوقت الذي كان ترامب وفانس يدافعان عن موقف الولايات المتحدة، في محاولة لتعويض ما أنفقته الإدارة الأمريكية في حرب لا أفق لها، كان زيلينسكي يحاول الحصول على الدعم المستمر لأوكرانيا في صراعها مع الدب الروسي.

المشادة الكلامية التي ربما تكون قد أضرت بالثقة بين الأطراف، لم تخلو من رغبة قوية في إظهار القوة السياسية الأمريكية والضغط على زيلينسكي، من خلال استخدام عبارات التوبيخ والتهديد مما جعل الرئيس الأوكراني يبدو ضعيفًا، وهو أسلوب يتماشى مع براغماتية ترامب القائمة على استعراض القوة في المفاوضات، خاصة وأنه لم يتردد في التعبير صراحة أنه يرى أوكرانيا في موقف يائس وهو ما يجبرها – حسب تعبيره – على القبول بالشروط التي يفرضها البيت الأبيض بدلاً من محاولة فرض مطالبها الخاصة، بل هي مطالبة فوق ذلك بإظهار الامتنان العلني في كل مناسبة لأمريكا، والاعتراف بالدور المتفوق الذي تلعبه على الساحة الدولية.

التعامل مع أوكرانيا كـ”صفقة” وليس كحليف استراتيجي

وعموماً، فإن المشهد كان تأكيدًا جديدًا على رغبة البيت الأبيض فرض واقعيته الترامبية القائمة على المصالح الوطنية المباشرة، في تجاهل صارخ للالتزامات الدولية التقليدية، وهو ما بدا واضحًا في التعامل مع أوكرانيا كـ”صفقة” وليس كحليف استراتيجي، مما يعكس عدم اعتراف جلي بالعلاقات الكلاسيكية المبنية على القيم المشتركة من قبيل الديمقراطية وترسيخ حقوق الإنسان، بل ينظر إليها بمنظار البراغماتية والمنفعة المباشرة. فدعم الولايات المتحدة لأوكرانيا أثمن من أن يمنح دون مكاسب اقتصادية وسياسية في المقابل، وربما يكون اتفاق المعادن في نظر الأمريكيين أزهد مما يستحقه هذا الدعم، في تكريس ممنهج لمبدأ المقايضة في السياسة الخارجية الأمريكية.

هذا النهج ليس بجديد على الرئيس ترامب بل هو استمرار لسياسته السابقة في مطالبة حلفائه بدفع “الجزية” مقابل الحماية الأمريكية.

إعادة تعريف مبدأ “أمريكا أولًا” في سياق الأزمة الأوكرانية، وإعادة تشكيل التحالفات الدولية وفق منطق القوة
المبارزة السياسية بين ترامب وزيلينسكي عبرت بما لا يثير ذرة شك عن إصرار البيت الأبيض على إعادة تعريف مبدأ “أمريكا أولًا”، من خلال التأكيد على أن الدعم العسكري لأوكرانيا ليس ثابتًا بل يخضع لحسابات القوة والمصلحة، وليس أولوية قومية أمريكية بل هو لا يتعدى أن يكون جزءًا من اتفاق يخدم المصالح الأمريكية، وهو ما يعاكس التوجه الأمريكي التقليدي في ظل الإدارات السابقة التي اعتبرت أوكرانيا خط دفاع أمامي ضد التوسع الروسي. كما أن التهديد بسحب الدعم يعكس استعدادًا قويًا لإعادة ترتيب الأولويات الاستراتيجية حتى وإن انعكس ذلك سلبًا على التحالف الغربي وأضعفه وعزز من موقف الروس، بل ربما هو فرصة لإعادة ضبط موازين القوى بين روسيا والغرب، وإعادة توزيع النفوذ في النظام الدولي وفق معادلة تتحمل فيها أوروبا وأوكرانيا العبء الأكبر بدلاً من الولايات المتحدة، وتمنح روسيا مساحة أكبر للمناورة، كونها المستفيد المباشر من أي انقسام أو ضعف في المعسكر الغربي. كما أن تهديد ترامب بسحب الدعم من أوكرانيا يمنح موسكو مزيدًا من المرونة في الصراع، وقد يدفعها إلى تصعيد العمليات العسكرية أو فرض شروط أكثر صرامة في أي مفاوضات مستقبلية.

زيلينسكي كطرف ضعيف في معادلة القوة

وفق المنظور الواقعي البنيوي، زيلينسكي هو رئيس لدولة طرفية تعتمد في حربها على دعم قوة عظمى، كما أنه لا يمتلك ما يكفي من أوراق ضغط حقيقية أمام ترامب. كما أن مطالبته بـ”ضمانات أمنية” تكشف بشكل جلي إدراكه أن التوازن العسكري ليس في صالحه، وأن أوكرانيا لا يمكنها الاعتماد فقط على الدعم العسكري المؤقت، لذا ففرصته الوحيدة هي استغلال المنافسة بين القوى العظمى لمصلحة بلاده، رغم أنها ليست في موقع يسمح لها بفرض شروطها.
وبغض النظر عما تداوله البعض من أن زيلينسكي تعرض “للمهانة” من طرف الرئيس الأمريكي، إلا أنه أظهر نوعًا من التحدي والإصرار على أهمية الدعم الغربي في محاولة للتأثير ليس فقط على محاوريه وإنما على الرأي العام الدولي الذي أبدى قسم كبير منه نوعًا من التعاطف مع رئيس قاده قدره إلى مواجهة قطبي النظام الدولي، مكرها لا بطلا. وبالرغم من أنه في موقف صعب، إلا أنه يحاول جاهداً موازنة علاقاته مع الغرب مع الحاجة إلى إبقاء أوكرانيا في وضع يسمح لها بالنجاة عسكريًا وسياسيًا.

وعموماً، فإن المقابلة المحتدمة التي انتهت بدون التوقيع على اتفاق المعادن، والتي غادر على إثرها الرئيس فلاديمير زيلينسكي شبه مطرود من البيت الأبيض من شأنها أن تشكل منعطفًا حاسمًا في العلاقات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، والتي انتقلت من المودة إلى الانفجار، مما يفتح المجال أمام العديد من التساؤلات حول مستقبل العلاقات ليس بين البلدين فقط بل وحول مستقبل العلاقات الأمريكية الأوروبية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى