
نساء مغربيات حفرن أسماءهن في صفحات التاريخ.. بصمات خالدة في مسيرة “الأمة”
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة نسلط الضوء على نساء مغربيات استطعن أن يحفرن أسماءهن في ذاكرة التاريخ، كل واحدة منهن في مجالها، ليكنّ مصدر إلهام للأجيال القادمة.
لطالما لعبت المرأة المغربية دورًا جوهريًا في صياغة تاريخ المغرب، مساهمة في شتى المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والعلمية، و رغم التحديات المتعددة التي واجهتها عبر العصور، استطاعت العديد من النساء أن يتركن بصمات لا تُمحى، مؤثرات في مجريات الأحداث ومساهمات في بناء حاضر المغرب ومستقبله.
1- كنزة الأوربية: صانعة الدولة الإدريسية و مهندسة التحالف بين العرب والأمازيغ
في أواخر القرن الثامن الميلادي، لعبت “كنزة الأوربية” ، الزوجة الأمازيغية للمولى إدريس الأول، دورًا محوريًا في تأسيس الدولة الإدريسية، التي كانت أول كيان سياسي إسلامي مستقل في المغرب.
تنتمي كنزة إلى قبيلة أوربة، وهي واحدة من أقوى القبائل الأمازيغية في تلك الحقبة، وقد كان زواجها من المولى إدريس الأول خطوة استراتيجية جمعت بين الشرعية الدينية للإدريسيين والقوة العسكرية والقبلية للأمازيغ، مما شكل أساسًا لاستقرار الحكم الجديد.
بعد اغتيال زوجها عام 791م ، وجدت كنزة نفسها في قلب معادلة سياسية معقدة، فساهمت بحكمتها وذكائها في تأمين حكم ابنها، إدريس الثاني، الذي أسس مدينة فاس لاحقًا وجعلها مركزًا حضاريًا بارزًا، و لم يكن تأثيرها مقتصرًا على دور الأم الحاضنة، بل كانت امرأة ذات رؤية، استطاعت الحفاظ على تماسك الدولة الفتية وسط تحديات سياسية كبرى.
2- فاطمة الفهرية: رائدة النهضة العلمية في العالم الإسلامي، ومؤسسة أقدم جامعة في العالم.
في القرن التاسع الميلادي، بزغ نجم “فاطمة الفهرية” ، المرأة التي استطاعت بحكمتها ورؤيتها أن تؤسس “جامعة القرويين” في فاس عام 859م. وُلدت فاطمة في تونس لعائلة عربية ثرية هاجرت إلى المغرب، وعندما ورثت ثروة والدها، قررت استثمارها في بناء صرح علمي عظيم، تحول لاحقًا إلى أقدم جامعة في العالم لا تزال تواصل نشاطها حتى اليوم.
لم تكن القرويين مجرد مدرسة دينية، بل أصبحت منبرًا علميًا احتضن كبار الفقهاء والفلاسفة والعلماء مثل ابن رشد، ليون الإفريقي،ابن خلدون وموسى بن ميمون.. وأسهمت في نقل العلوم إلى أوروبا خلال العصور الوسطى.
بفضل فاطمة الفهرية، تحول المغرب إلى مركز إشعاع حضاري، مما يجعلها من أعظم النساء اللواتي تركن إرثًا خالدًا في تاريخ التعليم العالمي.
3- خناتة بنت بكار: امرأة وراء عرش العلويين
في القرن السابع عشر، ظهرت “خناتة بنت بكار” كإحدى أقوى الشخصيات النسائية في تاريخ المغرب، كانت زوجة السلطان المولى إسماعيل، وعُرفت بذكائها ونفوذها القوي في تدبير شؤون الدولة.
نشأت خناتة في بيئة صحراوية قاسية، حيث تعلمت فنون السياسة وإدارة الأزمات، ما أهلها لاحقًا لتكون “مستشارة موثوقة للملوك العلويين” الذين تعاقبوا على الحكم.
لعبت دورًا بارزًا في استقرار الدولة العلوية، وساهمت في صياغة المعاهدات الدبلوماسية، وأثرت بشكل مباشر في مسار الحكم، كما كانت من النساء القلائل في عصرها اللواتي حصلن على تعليم ديني وسياسي عميق، ما جعلها رمزًا للمرأة المغربية القادرة على التفاوض وصنع القرار.
4- عائشة البحراوية: أيقونة المقاومة ضد الاستعمار.
خلال فترة الاحتلال الفرنسي، برزت عائشة البحراوية كرمز للمقاومة الشعبية في منطقة الغرب المغربي، فقد قادت معارك شرسة ضد القوات الاستعمارية، وكان لها دور محوري في تنظيم الهجمات وإمداد المقاومين بالمؤن والأسلحة.
و رغم أن التاريخ الرسمي لم يمنحها المكانة التي تستحقها، إلا أن الروايات الشفوية تؤكد أن البحراوية كانت امرأة استثنائية، تحدت القيود المجتمعية وواجهت المستعمر ببسالة نادرة، بفضل نضالها، أصبحت إحدى الشخصيات التي تجسد روح المقاومة النسائية في المغرب.
لقد كانت نموذجًا للمرأة المناضلة التي لم تتوانَ عن التضحية من أجل حرية الوطن.
5- رحمة ستّو: المرأة التي حاربت العبودية في المغرب.
في أواخر القرن التاسع عشر، وسط مجتمع ما زالت العبودية تمثل إحدى ملامحه، ظهرت رحمة ستّو كامرأة رفضت الخضوع للواقع المفروض عليها، وُلدت مستعبدة، لكنها رفضت أن تعيش تحت نير العبودية، فتمردت على مصيرها وناضلت حتى نالت حريتها.
لم تكتفِ ستّو بحريتها الشخصية، بل كرست حياتها لمحاربة نظام الرق في المغرب، و ساهمت في التوعية بحقوق المستعبدين، وألهمت حركات اجتماعية ساعدت في إلغاء العبودية رسميًا بداية القرن العشرين.
كانت رمزًا للصمود في وجه الظلم، وأثبتت أن النضال لا يقتصر على الرجال فقط.
6- عائشة الشنا: المدافعة عن حقوق النساء المهمشات الأمهات العازبات.
في العصر الحديث، برزت “عائشة الشنا” كإحدى أهم الناشطات الاجتماعيات في المغرب. كرست حياتها للدفاع عن “حقوق الأمهات العازبات” وأطفالهن، وأطلقت جمعية “التضامن النسوي”، التي وفرت دعمًا قانونيًا واجتماعيًا واقتصاديًا لهذه الفئة المهمشة.
واجهت الشنا انتقادات واسعة بسبب طبيعة عملها، لكنها لم تتراجع، بل استمرت في النضال لتغيير العقليات، و المساهمة في تحسين وضعية المرأة، كما نالت تقديرًا دوليًا لحملتها الشجاعة ضد التهميش والتمييز. حصلت على عدة جوائز اعترافًا بدورها الإنساني، وظلت رمزًا للعطاء الاجتماعي في المغرب.
7- مليكة الفاسي.. صوت المرأة في معركة الاستقلال.
في زمن كان النضال السياسي حكرًا على الرجال، برزت مليكة الفاسي كصوت نسائي قوي داخل الحركة الوطنية.
في عام 1944، عندما وقّع زعماء الحركة الوطنية المغربية على “وثيقة المطالبة بالاستقلال” ، كانت “مليكة الفاسي” المرأة الوحيدة بينهم، مما جعلها رمزًا لتحرر المرأة المغربية ومشاركتها في النضال السياسي.
إلى جانب دورها في الاستقلال، كانت مليكة كاتبة وأديبة، وأسهمت في الحركة الثقافية والصحفية، حيث دافعت عن حقوق المرأة، خصوصًا في مجال التعليم والمشاركة السياسية، مما جعلها من أبرز الشخصيات النسائية في تاريخ المغرب الحديث.
8- فاطمة المرنيسي: المفكرة التي أعادت تعريف دور المرأة و غيرت نظرة العالم للمرأة المسلمة.
في القرن العشرين، برزت “فاطمة المرنيسي” كباحثة في علم الاجتماع وكاتبة أثرت في النقاشات العالمية حول “حقوق المرأة المسلمة”، من خلال كتبها، مثل “الحريم السياسي”، طرحت قضايا جريئة تتعلق بالعلاقة بين المرأة والسلطة، وساهمت في إعادة النظر في المفاهيم التقليدية التي تحدد دور المرأة في المجتمع الإسلامي.
كانت المرنيسي واحدة من الأصوات النسائية التي ساهمت في تشكيل الفكر النسوي المغربي، بأسلوب علمي رصين، مما جعلها مرجعًا في الدراسات النسوية، ليس فقط في المغرب، بل و امتد تأثيرها إلى خارج حدود المغرب، حيث تم تكريمها في العديد من المحافل الأكاديمية الدولية.
من كنزة الأوربية إلى فاطمة المرنيسي، ومن ساحات القتال إلى قاعات الفكر، كانت المرأة المغربية دائمًا حاضرة في رسم ملامح التاريخ.
هؤلاء النساء لم يكن مجرد شخصيات عابرة، بل كنّ صانعات للتغيير، وأمثلة حية على قدرة المرأة على التأثير وبناة للأمة، تاركات إرثًا يستحق التقدير والاحتفاء.
إن استحضار سيرهن ليس فقط تكريمًا لهن، بل هو أيضًا دعوة للأجيال الجديدة لاستلهام العبرة والمضي قدمًا في مسيرة العطاء والنضال.