الرئسيةرأي/ كرونيك

حزب الاستقلال بين إرث الوطنية وانحرافات الإحسان الانتخابي

لطالما شكل حزب الاستقلال رمزًا للنضال السياسي والعدالة الاجتماعية، مستندًا إلى إرث وطني متجذر في وجدان المغاربة، إلا أن الصورة التي يقدمها اليوم باتت بعيدة كل البعد عن المبادئ التي نادى بها لعقود.
ففي مشهد يعكس انحدار العمل السياسي نحو استغلال الحاجة الإنسانية، انخرط الحزب في ممارسات لا تختلف عن تلك التي وُجّهت إليها انتقادات لاذعة من قبل خصومه السياسيين.

تحت شعار “2025 سنة التطوع”، أطلق الحزب حملة توزيع “القفف الرمضانية”، في خطوة تعكس توجهه نحو تبني أساليب “الإحسان الحزبي” التي جرى استخدامها سابقًا من طرف حزب التجمع الوطني للأحرار عبر ذراعه الجمعوي “جود”، غير أن هذا السلوك لم يكن سوى محاولة مكشوفة لاستمالة الناخبين تحت غطاء التضامن الاجتماعي، في ظل سياق سياسي يتسم بتراجع الأحزاب عن أدوارها الحقيقية كقوى اقتراحية تمتلك تصورات واضحة لحل الأزمات الاجتماعية.

إن استبدال البرامج التنموية بمساعدات ظرفية مشروطة يضع حزب الاستقلال في خانة الأحزاب التي تخلت عن جوهر العمل السياسي، متناسية أن دورها لا يقتصر على توزيع المواد الغذائية، بل يتمثل في بلورة سياسات قادرة على إخراج المواطنين من دائرة الحاجة إلى فضاء الكرامة.
يثير هذا التحول الجذري في توجهات الحزب تساؤلات جوهرية حول مدى التزامه بقيمه الأصلية، وحول ما إذا كان لا يزال حزبًا سياسيًا يسعى إلى الإصلاح، أم أنه بات مجرد كيان انتخابي يستثمر في الفقر بدلاً من محاربته.

ما يزيد من خطورة هذا النهج هو أنه لا يمثل حالة استثنائية، بل أصبح نمطًا معتمدًا لدى عدد من الأحزاب التي وجدت في العمل الخيري وسيلة فعالة لضمان ولاء الناخبين،و عوضًا عن البحث عن حلول دائمة للأزمات الاجتماعية، تفضل هذه التنظيمات السياسية اللجوء إلى حلول ترقيعية تهدف بالأساس إلى توطيد نفوذها الانتخابي.
وبهذا، يتحول المواطن من صاحب حق في التنمية إلى مجرد مستفيد ظرفي من “إحسان انتخابي”، يخدم أجندات سياسية أكثر مما يعالج المشاكل الحقيقية التي يعيشها المجتمع.

لم يكن خافيًا أن هذه الممارسات تنم عن عجز سياسي واضح، حيث يجد الحزب نفسه مضطرًا لتبني تكتيكات انتخابوية تنسف مصداقيته أمام الرأي العام، فاللجوء إلى توزيع المساعدات بدل طرح حلول عملية يعكس فقدان الثقة في القدرة على تقديم مشاريع اقتصادية واجتماعية مستدامة، ما يجعل من القفة الانتخابية أداة دعائية لا تختلف في جوهرها عن أي شكل آخر من أشكال استغلال معاناة المواطنين.

إن المشهد السياسي اليوم يزداد قتامة مع تكرار هذه السيناريوهات، حيث لم تعد بعض الأحزاب ترى في المواطنين سوى أصوات انتخابية قابلة للاستمالة عبر وسائل لا تمت للعمل السياسي بصلة.
وإذا كان حزب الاستقلال قد نجح في السابق في ترسيخ صورته كفاعل سياسي محوري في تاريخ المغرب، فإن ممارساته الحالية تجعل مستقبله السياسي على المحك، حيث يبدو أنه بات يقتفي أثر خصومه في سلوكيات سبق أن انتقدها بنفسه.

المغاربة اليوم ليسوا بحاجة إلى “قفة رمضانية”، بل إلى سياسات تعيد إليهم حقوقهم المسلوبة، إلى برامج حقيقية قادرة على انتشالهم من دوامة الفقر، وإلى أحزاب تتحمل مسؤولياتها كاملة بدل الاحتماء وراء العمل الخيري لتبرير فشلها في تحقيق التنمية المنشودة.
الطريق الذي اختاره حزب الاستقلال، كما غيره من الأحزاب التي تتبنى نفس النهج، لن يؤدي إلا إلى تقويض ما تبقى من الثقة في الفاعلين السياسيين، وإلى مزيد من العزوف الشعبي عن المشهد الانتخابي، في ظل إحساس متزايد بأن الأحزاب لم تعد تمثل طموحات المواطنين، بل باتت تسعى فقط إلى ضمان بقائها في السلطة، ولو كان الثمن هو المتاجرة بمعاناة الشعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى