
عندما يصبح الجمهور شريكًا في الإنتاج السينمائي: كواليس فيلم عالمي في قلب الدار البيضاء
تعد صناعة السينما الأمريكية واحدة من أقوى الصناعات الفنية وأكثرها تأثيرًا على مستوى العالم، و تتميز هذه الصناعة بإنتاج أفلام ضخمة تتسم بالتقنيات المتطورة، الميزانيات الهائلة، والنجوم اللامعين الذين يسعون دومًا إلى تقديم مشاهد استثنائية تأسر الجمهور، غير أن بعض المشاهد التي تم تصويرها في إحدى أسواق الدار البيضاء الشعبية، أثبت أن تفاعل الجمهور مع الفن السابع قد تجاوز حدود المشاهدة البسيطة ليصبح جزءًا حيويًا من صناعة السينما العالمية.
فما بدا للبعض وكأنه تصرف عشوائي أو مشهد فوضوي في شارع مزدحم، كان في الواقع جزءًا من فيلم سينمائي ضخم من إنتاج هوليوود. الفيلم هو “Convoi” ، الذي يتم تصويره حاليًا بين المغرب والمجر بميزانية ضخمة تصل إلى 75 مليون دولار، ويشارك فيه النجم الأمريكي الشهير جون سينا، وبالرغم من الميزانية العالية التي رصدها منتجو الفيلم، إلا أن ما حدث في الشوارع المغربية يكشف كيف يمكن للجمهور العادي أن يصبح لاعبًا أساسيًا في عملية الإنتاج السينمائي.
و بينما كانت كاميرات الإنتاج تلتقط المشهد بتقنيات متقدمة، كان هناك جانب آخر من التصوير يتضمن المواطنين المغاربة الذين استخدموا هواتفهم المحمولة لتوثيق الحدث، هذه المشاهد التي التقطها هؤلاء المواطنون انتشرت بسرعة على منصات التواصل الاجتماعي، وكأن المغاربة قد قرروا تقديم خدمة مجانية لمنتجي الفيلم، وبدلاً من أن يكونوا مجرد متفرجين، تحولوا إلى مخرجين ومصورين غير رسميين، بل إن بعض اللقطات التي صُوّرت بجودة عالية وبزوايا مبتكرة، أظهرت احترافية تفوق حتى بعض المشاهد التي تم التقاطها باستخدام كاميرات الإنتاج الخاصة بالفيلم.
هذه الظاهرة تعكس تحولًا مهمًا في دور الجمهور في صناعة السينما، فمنذ أن أصبحت الهواتف الذكية مزودة بكاميرات ذات جودة عالية، أصبح بمقدور أي شخص أن يصور لحظات سينمائية لا تقل في جودتها عن ما تقدمه المعدات المتطورة، و ربما لم يكن مخرج الفيلم نفسه يتوقع أن يكون بعض المواطنين في الدار البيضاء جزءًا غير مخطط له من العمل السينمائي، إلا أن هذا التحول العفوي يسلط الضوء على كيفية تأثير التكنولوجيا الحديثة على طرق إنتاج الأفلام وتوزيعها.
ومع أن المشهد الذي صوّر في السوق الشعبية قد يبدو في ظاهره فوضويًا وعشوائيًا، إلا أن هناك خلفه جهدًا فنيًا دقيقًا لإظهار الفوضى بشكل طبيعي وعفوي، هذه الفوضى التي يتجسد فيها نبض الشارع والحياة اليومية، تم تصويرها بشكل يجعلها تبدو حقيقية للغاية، رغم أنها كانت في الواقع نتاجًا دقيقًا من الإبداع السينمائي.
وفي هذا الإطار، أصبحت المشاركة الشعبية في الفيلم جزءًا لا يتجزأ من إنتاج سينمائي عالمي، حيث أضافت لحظات بسيطة ولكن غنية بالواقعية إلى العمل الفني، وهو ما كان صعبًا تحقيقه باستخدام تقنيات الإنتاج التقليدية فقط.
أما المارة الذين تصادف وجودهم في موقع التصوير، فقد لعبوا دورًا غير متوقع في هذا الفيلم، حيث تحولوا إلى “كومبارس محترفين”، وحصلوا على تعويضات مالية تراوحت بين 500 و700 درهم مقابل الظهور لبضع ثوانٍ في المشهد، هؤلاء الأشخاص، الذين لم يكونوا في الغالب مرتبطين بأي تجربة سابقة في مجال السينما، أصبحوا جزءًا من العمل السينمائي لمجرد أنهم كانوا في المكان المناسب في الوقت المناسب.
هذه الظاهرة تعكس تحولًا في سوق الإنتاج السينمائي المحلي، حيث أصبح بالإمكان إشراك أشخاص عاديين من الشارع في إنتاج أفلام عالمية ضخمة، حتى وإن كانت مشاركتهم لم تكن مخططًا لها من قبل.
إذن، يبدو أن الدار البيضاء، من خلال هذا الفيلم، قد خطت خطواتها الأولى نحو خلق نوع جديد من التفاعل بين السينما والشعب، هذا التفاعل الذي يمكن أن يشكل بداية لمرحلة جديدة في صناعة السينما، حيث لا يقتصر دور الجمهور على المشاهدة فحسب، بل يتجاوز ذلك ليشمل التوثيق والإبداع والمشاركة في صناعة الفن السابع.
وفي النهاية، يظهر أن مشهدًا واحدًا في فيلم ضخم مثل *Convoi* قد يحمل في طياته رسائل متعددة حول التغيرات التكنولوجية والاجتماعية التي تؤثر على صناعة السينما بشكل عام، وبفضل الفضول والتفاعل العفوي للمغاربة، دخل هؤلاء التاريخ السينمائي من باب غير تقليدي، ليكونوا جزءًا من عمل عالمي ضخم، في خطوة تعكس كيف يمكن للسينما الشعبية أن تُحدث فارقًا حقيقيًا في الإنتاج الفني العالمي.