الرئسيةسياسةفي الواجهة

قال: (الفساد عمّ البر والبحر في البلاد)…الراشدي: هل طلب إعفائه أم استغني عنه بتوصية من المتضررين من تقاريره؟

عين الملك محمد السادس، يوم الاثنين الماضي، عددا من مسؤولي المؤسسات الدستورية. وتندرج هذه التعيينات، حسب الديوان الملكي، في إطار حرص الملك محمد السادس على نهوض هذه المؤسسات بالمهام التي يخولها لها دستور المملكة، وتوطيد دورها في ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وتعزيز الديمقراطية التشاركية، وحماية الحقوق والحريات، وفق ما ذكر بلاغ الديوان الملكي.

تشكل  مغادرة  محمد البشير الراشدي لمنصب رئاسة الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، و التي أعقبت قرار الملك محمد السادس تعيين محمد بنعليلو وسيط المملكة السابق خلفاً له، الاثنين الماضي، وفق ما ورد في بلاغ الديوان الملكي، فرصة لطرح أسئلة تخص علاقة السلطة التنفيذية بالمؤسسات الرقابية ومدى استقلاليتها في مواجهة الفساد، كما تعتبر ايضا، فرصة لإعادة فتح ملف هذه الهيئة الدستورية، التي احتكت مع حكومة أخنوش، ووجهت بانتقادات شديدة منها، وأبرزت أن مسار عملها في محاربة الرشوة والفساد كان شائكا مع حكومة يجري وصفها بحكومة الباطرونا، أو حكومة حالات التنافي وزواج السلطة بالمال.

وبداية ينبغي الإشارة أن السؤال الذي صاحب نهاية البشير الراشدي على رأس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، هل طلب إعفائه، على خلفية التوثر الذي ميز علاقة مؤسسته مع الحكومة، أم تم الاستغناء عنه بتوصية من المتضررين من تقاريره، في الحقيقة يعتبر سؤالا تحصيل حاصل، فسواء استغني عنه بطلب منه، أو بتوصية بذلك، فإن الحاصل أن رئيس هذه الهيئة غادرها وهو في حالة نزاع مع الحكومة، بدل أن يكون في حالة انسجام معها، وهو يصرخ أن الفساد عم البر والبحر، وأن كلفته وصلت ل50 مليار درهم.

تشير العديد من التعلقيات التي صاحبت التعيينات الأخيرة والتي شملت ثلاثة مؤسسات استراتيجية في الحكامة، إلى القول بأن رئيس الحكومة، تمكن من تحقيق نجاح  من خلال إبعاده كل الذين أغضبوه، كان ادريس الكراوي الرئيس السابق لمجلس المنافسة أولهم، ثم هاهو  محمد البشير الراشدي رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة، وقبله أحمد الشامي الرئيس السابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي خَلَفه الوزير السابق عبد القادر اعمارة، وأحمد الحليمي، المندوب السامي في التخطيط الذي حلّ محله شكيب بنموسى.

تقرير الهيئة حول الوضعية العامة للفساد في المغرب لسنة 2023 الذي أفاض الكأس

أصدرت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها تقريرها عن سنة 2023، والذي وقف على مجموعة من الاختلالات، وهو أول تقرير من نوعه يشمل سنة كاملة بعد دخول القانون 46.19 حيز التنفيذ على إثر تعيين أعضاء مجلس الهيئة وأمينها العام، ما اثار  غضب الحكومة أكثر وشكّل نقطة صدام في العلاقة المفروض ان تكون تكاملية بين السلطة التنفيذية والمؤسسة الدستورية.

وتفاعلت الحكومة المغربية مع التقرير بانزعاج واضح، كرس الجدل الذي يتكرر كلما أصدرت مؤسسة رقابية دستورية تقريرا عن أحد المواضيع الكبرى في المغرب.

فضلا عن ذلك وبتزامن مع اصدار التقرير، أصدرت الهيئة تقريرين، شمل الأول الالتزامات الدولية للمغرب في مكافحة الفساد، والثاني تأطيرا لأفعال الفساد المجرمة جنائيا.

وذكر تقرير الهيئة الوطنية للنزاهة أن المغرب بحصوله على 38 نقطة من 100 في مؤشر مدركات الفساد لعام 2023، يكون تراجع 5 نقاط خلال السنوات الخمس الأخيرة، وهو الذي انعكس على ترتيب البلاد، حيث انتقل من الرتبة 73 ضمن 180 دولة لعام 2018، إلى الرتبة 97 في 2023، مؤكدا أن مجموعة الدول التي وضعت الوقاية من الفساد ومكافحته على رأس أولوياتها الوطنية استطاعت أن ترقى بترتيبها إلى مستويات متقدمة جدا.

وافاد التقرير الى تراجع المغرب على مستوى مؤشر الفساد السياسي، ومؤشري تطبيق القانون والحكومة المنفتحة، المتفرعين عن مؤشر سيادة القانون، ومؤشرات استقلال القضاء وحرية الصحافة والخدمات على الإنترنت.

واعتبر محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة في تصريحات متعددة للصحافة، استمرار الوضعية غير المرضية للفساد بالمغرب، مبينا أنها تشكّل واقعا بنيويا يعمّق الفجوة تجاه التزامات السلطات العمومية والجهود المبذولة.

اوضح التقرير أن تكاليف الفساد المرتفعة تتحملها الفئات الضعيفة، اذ يجمع الخبراء على أن الفساد يمتص ما بين 4 إلى 6% من مجموع الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل خسارة  20 مليار درهم سنويا، وهو ما يؤثر على تقدم العملية التنموية في البلد، ويكبح طموحاتها في تحقيق أفضل النتائج، مما يفرض فتح نقاش عمومي حوله.

تحدث التقرير على مناخ الأعمال، إذ إن 68% من مقاولي المغرب يعتبرون أن الفساد منتشر أو منتشر جدا، وأن الحصول على التراخيص والمأذونيات والرخص الاستثنائية، والصفقات والمشتريات العمومية، والتوظيف والتعيين والترقية في القطاع الخاص، هي المجالات الثلاثة الأكثر تضررا من الفساد.

أوضح التقرير ان حصيلة الخط المباشر للتبليغ عن الرشوة التابع لرئاسة النيابة العامة، والذي مكّن من تسجيل 243 عملية ضبط للمشتبه فيهم في حالة تلبس، كما سلط الضوء على قضايا الجرائم المالية، والتي بلغ عددها سنة 2022 ما مجموعه 716 قضية.

اشار التقرير ان الفساد يرتبط في الغالب في الأذهان بالرشوة فقط، لكن التقرير الموضوعاتي عدد أفعال الفساد المجرمة في الاختلاس، والإهمال الخطير المؤدي إليه، وجرائم الغدر، والحصول غير القانوني على الفوائد والمنافع، والرشوة واستغلال النفوذ وغسل الأموال، مستندا إلى سندات قانونية واجتهادات قضائية، فضلا، عن جريمة الرشوة الانتخابية، وتسخير الممتلكات العمومية في الحملات الانتخابية، وإساءة استعمال أموال الشركة، وجريمة التفالس، والغش الضريبي، والتهريب الجمركي، والحصول أو إطلاع الغير على معلومات متميزة لم تصل إلى علم الجمهور.

وجدت حكومة أخنوش نفسها أمام هذا التقرير القوي للهيئة، وأمام رئيس لها جرئ، والذي سجل عليها أنها حكومة لا تتداوب ولا تتفاعل مع تقريرها، و أنه راسلها في شخص رئيسها لأخنوش لعقد اجتماع اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد التي لم تنعقد منذ تنصيبها، ولم تتفاعل مع الدعوة، ما يعني تعطيل لجنة وتهميشها.

خرج بايتاس الناطق الرسمي باسم الحكومة، وأعلن رفض،  وذلك خلال ندوة صحفية، ما سماه بالمزايدة على الحكومة في شأن محاربة الفساد، مطالبا الهيئة بكشف ما قامت به للإضطلاع بأدوارها المنصوص عليها في الدستور.

وأكد حينها على أن محاربة الفساد هي انشغال كبير لدى الحكومة التي اشتغلت على الموضوع بعمق ومنذ أن تم تنصيبها.

واعتبر بايتاس في هذا الإطار حجم المتابعات الذي ارتفع إنجازا، وأنه يؤكد حرص الحكومة على متابعة أي مس بالمال العام أو أي تمظهر من تمظهرات الفساد، لافتا إلى الإجراء المتعلق بمرسوم الصفقات العمومية الذي تضمن عددا من المضامين الجديدة، أخضع الطلبيات وسندات الطلب لمسطرة العروض.

عبر بايتاس عن اندهاشه من “عدم الانتباه إلى كل الإجراءات التي تقوم بها الحكومة، وأندهش أكثر بأن مؤسسات أخرى تشتغل في نفس المجال ونطالبها بأشياء غير موجودة في القوانين المنظمة لها”، داعيا و قبل مطالبة المؤسسات بفعل أشياء بأن نطلع أولا على القوانين المؤطرة لهذه المؤسسات.

قال إنه لا يمكن لأي أحد أن يعتقد أنه يحارب الفساد أكثر من باقي الأطراف، لافتا إلى أن هذه المعركة يساهم فيها الجميع على قدم المساواة، بما فيها السلطة التنفيذية والمؤسسات الدستورية  التي تشتغل على الموضوع وأيضا الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة.

قال أيضا بصيغة سؤال وتحدي، في إشارة إلى الهيئة “هل اختصاصات هذه المؤسسة لا يوجد فيها تخليق الحياة العامة وترسيخ مبادئ الحكامة العامة وثقافة المرفق العام وقيم المواطنة المسؤولة.. أين هو المجهود الذي قامت به هذه المؤسسة في المقتضيات المنصوص عليها في الدستور والفصل 167 منه.

محمد البشير مسار مهني ونضالي مميز

وُلد محمد البشير الراشدي في سنة 1960 بمدينة خريبكة، ثم انتقل إلى مدينة الرباط حيث حصل على دبلوم مهندس دولة في الهندسة الكهربائية والمعلوميات الصناعية من المدرسة المحمدية للمهندسين، وفي هذه الفترة تعرض لمضايقات بسبب مساره النضالي بالمدرسة المحمدية.

كان عضوًا في اللجنة التنفيذية للهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، كما ترأس الرابطة الجمعوية لرصد انتخابات سنة 2002، وبالإضافة إلى ذلك، شغل منصب عضو في المجلس الوطني لـ “ترانسبارنسي المغرب”، حيث تولى في وقت لاحق منصب كاتب عام لهذه الهيئة، فضلًا عن كونه مديرًا للجنة الأخلاقيات والحكامة الجيدة بالاتحاد العام لمقاولات المغرب.

تولى الراشدي رئاسة الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، بعدما تم تعيينه من قبل الملك محمد السادس في 13 دجنبر 2018، ليقود جهود محاربة الرشوة وتعزيز قيم النزاهة في المغرب.

وكانت مسيرته المهنية أيضًا حافلة بالإنجازات على المستوى الدولي، حيث أعيد انتخاب المغرب في 6 فبراير 2025، عضواً في اللجنة التنفيذية التابعة للجمعية الدولية لهيئات مكافحة الفساد (IAACA) في شخصه.

وفي الوقت الحالي، يشغل محمد البشير الراشدي منصب رئيس مدير عام لمجموعة اقتصادية مغربية متخصصة في إنتاج الحلول المعلوماتية، بالإضافة إلى عضويته في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وأيضًا في مجلس المرصد الوطني للتنمية البشرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى