عندما يقود السردين مواطنيين عبروا عن استيائهم من أسعاره إلى السجن!
30/03/2025
0
تحرير: جيهان مشكور
في مشهد قد يبدو للوهلة الأولى وكأنه مقتطع من مسرحية هزلية، أصدرت المحكمة الابتدائية بأزيلال، يوم الخميس الماضي، أحكامًا بالحبس النافذ على مجموعة من المواطنين الذين لم يفعلوا أكثر من التعبير عن استيائهم من أسعار السردين الملتهبة، وكأن الاحتجاج على غلاء المعيشة بات ترفًا يعاقب عليه القانون، أو جريمة نكراء تستحق العقاب الفوري.
تفاوتت الأحكام بين شهر وثلاثة أشهر، وسط تهمٍ حملت في طياتها عبارات قانونية تبدو وكأنها مستقاة من قاموس الجرائم الكبرى، حيث وُجِّهت إلى المعتقلين تهم من قبيل “التدخل بغير صفة في وظيفة عمومية”، وكأن رفع الصوت ضد الغلاء يستوجب ترخيصًا رسميًا. كما أضيفت تهمة “التحريض المباشر على ارتكاب جنح بواسطة الخطب والصياح في الأماكن العمومية”، وهي تهمة تفتح الباب أمام تساؤلات لا تنتهي: هل أصبح الصياح في الأسواق، وهو طقس مغربي أصيل، بمثابة إعلان عصيان مدني؟ ثم جاءت التهمة الأخيرة “المشاركة في احتجاج غير مرخص”، وهي مطالبة مباشرة من المواطن البسيط، وهو يرى قوت يومه يتبخر تحت لهيب الأسعار، قبل أن يصرخ ألماً أن يملأ استمارة طلب احتجاج ويضعها في مكتب مجهول قد لا يرد عليه أبدًا.
بدأت القصة يوم 16 مارس، حين تفاجأ رواد السوق الأسبوعي بأيت كلا بارتفاع جنوني في أسعار سمك السردين أو سمك الفقراء كما اعتدنا تسميته، فتداعى المواطنون بعفوية ليعبروا عن سخطهم، لم تُسجل أي أعمال عنف أو تخريب، ولم يُكسر زجاج ولا أُضرمت نيران، بل كان احتجاجًا سلميًا خالصًا.
لكن رغم ذلك، جاءت القبضة الحديدية لتحسم الأمر، بأن التعبير عن الغضب، حتى وإن كان مجرد تذمر جماعي، يبدو أنه لم يعد مسموحًا به.
ردود الفعل السياسية لم تتأخر كثيرًا، إذ دخلت بعض الهيئات على الخط، مثل الحزب الاشتراكي الموحد وحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، اللذين طالبا بالإفراج الفوري عن المعتقلين، مؤكدين أن الزج بالمواطنين في السجون لن يكون الحل السحري الذي يعالج معضلة غلاء الأسعار.
فمن الواضح أن الأسماك ستظل باهظة الثمن، والأسواق ستستمر في فرض إيقاعها القاسي على المواطن المغلوب على أمره، لكن السؤال الحقيقي هو: هل صرنا في زمن تُوزع فيه الأحكام القضائية أسرع من توزيع الحلول الاقتصادية؟
في النهاية، يبدو أن السردين لم يعد مجرد وجبة شعبية، بل تحول إلى رمز لمعادلة اقتصادية واجتماعية مختلة، حيث يعاقَب الفقراء على احتجاجهم بدل أن تُعالج أسباب معاناتهم، والسؤال الذي يفرض نفسه الآن: هل سيحتاج المواطن في المستقبل إلى إذن قانوني ليشتكي من ثمن الطماطم؟