الرئسيةسياسةمجتمع

تهديد فعلي بفقدان سبل عيش مغربيات خاصة بالبوادي..دراسة: رابط المناخ والجندرة، ثغرة في السياسة المغربية

يحظى المغرب بإشادة دولية أثنت على استجابته لتغير المناخ، غير أن المنظور الجندري لايزال غائبًا بوضوح عن الخطط الحكومية.

الدراسة من إنجاز آية كميل باحثة كرسي جيمس سي غاثر في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي وطالبة ماجستير في دراسات الشرق الأوسط في جامعة أكسفورد لعام 2023. تشمل اهتماماتها البحثية التكيف مع تغير المناخ، والأمن البشري والاندماج الإقليمي بين بلدان الجنوب

يُنظَر إلى المغرب على نطاق واسع بأنه يضطلع بدور رائد في المنطقة في الجهود الهادفة إلى مكافحة تغير المناخ. وفي هذا الإطار، وضعت المملكة، قبل نحو عقد من الزمن، إطار السياسة المغربية لمكافحة تغير المناخ، ونشرته.

وهذه السياسية التي تعتبر “مكافحة تغير المناخ من الأولويات القصوى”، تتطرق بالتفصيل إلى خطط التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره على السواء – وتتطرق ليس فقط للآليات التي يتبعها المغرب للتكيف مع التقلبات التي يتسبب بها تغير المناخ، وإنما أيضًا التخفيف من تداعياته من خلال خفض انبعاثات غازات الدفيئة. و

تطال هذه المقترحات القطاعات الأكثر ضعفًا في البلاد، بما فيها الوصول إلى المياه، والزراعة، ومصايد الأسماك المحلية.

ومن خلال مراعاة الاعتبارات الحكومية، والاجتماعية الاقتصادية والبيئية، أصبحت السياسة المغربية لمكافحة تغير المناخ مرجعًا رياديًا في تطوير سياسة المناخ الوطنية في بلدان الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا.

ولكن هذه الإشادة الواسعة يجب ألا تدفع بنا للتغاضي عن المجالات التي تفشل السياسة المذكورة في معالجتها، وعلى رأسها الرابط بين المناخ والجندر.

تختلف آثار تغير المناخ بحسب الجندر، لذلك وكي تتسم خارطة الطريق الخاصة بالتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره بالفعالية، يجب أن تكون المسائل الجندرية في صلبها.

فالتهديدات المناخية المتعاظمة تؤدّي إلى تسارع وتيرة نقاط الضعف القائمة، ما يعرّض حياة النساء وسبل عيشهن للخطر.

وفي البوادي والقرى المغربية، تشكّل الظروف المناخية السيئة تهديدًا محدقًا فيما يتعلق بوصول النساء إلى الخدمات الصحية – لا سيما في المناطق المعرّضة للفيضانات مثل فجيج وتندرارة وبوعرفة – مع مضاعفات سلبية على صحتهن النفسية عمومًا.

يُعد التعليم، أيضًا، من القطاعات التي تتحمّل مباشرةً العبء الأكبر لآثار تغيّر المناخ. في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بلغت نسبة إلمام النساء بالقراءة والكتابة في المغرب أدنى مستوياتها تاريخيًا، مع 42 في المئة تقريبًا.

وعلى الرغم من التقدّم الذي أُحرِز على هذه الجبهة خلال العقدَين المنصرمَين، ظلّت المرأة المغربية متأخّرة عن الرجل بنحو عشرين نقطة مئوية في عام 2021. وسيؤدّي تغيّر المناخ إلى تفاقم هذه الفوارق، في ضوء الارتفاع الشديد في معدلات التسرّب المدرسي للفتيات خلال الظروف المناخية القاسية.

غالب الظن أن تغيّر المناخ سيؤثّر أيضًا في الأدوار المنزلية للمرأة في المغرب.

فالنساء هن المعيل الأساسي في 15.6 في المئة من الأسر المعيشية المغربية، وفي الأرياف، قد يتسبب تغير المناخ بمخاطر إضافية للنساء المعيلات لأسرهن. فالنساء اللواتي يعتمدن بشدّة على سبل عيش حسّاسة مناخيًا، لا سيما في الزراعة، لن يتمكّنّ من كسب معيشتهن ودعم أسرهن مع استمرار تدهور الموارد الطبيعية الحيوية. ويزيد ذلك بدوره من احتمال تعرّضهن للعنف الجندري وندرة المواد الغذائية.

إذا لم يأخذ المغرب المسائل الجندرية في الاعتبار، ستبقى قدرته على التكيّف مع تغيّر المناخ محدودة. تقلل السياسة المغربية لمكافحة تغير المناخ من الأهمية الاستراتيجية للمنظور الجندري، من خلال إعطاء الأولوية للتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره على حساب مكافحة المخاطر المناخية والحد منها من جملة أمور أخرى، علمًا بأنهما ضروريان جدًا في إطار الاستراتيجيات الهادفة إلى بناء قدرة المرأة المغربية على الصمود، لا سيما في سياق الجهوزية للكوارث.

ويقتضي الحد من الخطر المناخي المحدق بالنساء المغربيات في الأرياف القيام بتدخلات هادفة مثل توزيع محاصيل مقاومة للجفاف ونقل مهاجع النساء في المدارس إلى مناطق خالية من الفيضانات.

يبذل المغرب، من خلال سياسة مكافحة تغير المناخ، جهودًا مهمة للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر عن طريق توظيف استثمارات كبيرة في الطاقة المتجددة.

فالمملكة تضم، مثلًا، أكبر مصنع للطاقة الشمسية المركّزة في منطقة ورزازات. ولكن سياسة مكافحة تغير المناخ لا تأخذ المسائل الجندرية في الاعتبار في إطار هذا التحوّل الاقتصادي.

يطرح غياب المرأة من الاستثمارات الصديقة للمناخ مشكلة أوسع على الصعيد العالمي: ففي السنة المالية 2019-2020، تم رصد 632 مليار دولار أميركي في إطار التمويل المناخي العالمي، ولكن حصّة النساء من هذه الأموال كانت أقل من 10 في المئة.

في المغرب، تشير التقديرات الأخيرة إلى أنه سيجري إنفاق 50 مليار دولار أمريكي على برامج التخفيف من آثار تغير المناخ، و35 مليار دولار على مشاريع التكيف مع تغير المناخ بحلول عام 2030.

ولكن في ضوء تركيز الأولويات الاستراتيجية على التخفيف من آثار انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن توليد الطاقة والمواصلات، تُوضَع الاعتبارات الجندرية على الهامش مرة أخرى.

ينبغي على السلطات المغربية تمكين القطاع المالي للعمل من أجل سد الفجوة في الاستثمارات الخضراء، إذ تُقدَّر الأصول المالية المطلوبة لتحقيق الأهداف المناخية بـ24 مليار دولار في المغرب،

وكذلك من أجل أن يكون رأس المال الخاص مراعيًا بصورة منهجية للشمول الجندري. وقد تشمل هذه التدابير منح حوافز مالية، أو إعفاءات ضريبية أو أرصدة كربونية لمَن يمتثلون لها.

كذلك يتطلب تحقيق أهداف التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره بطريقة مراعية للمنظور الجندري زيادة الاستثمار في شبكات الأمان الاجتماعي، ووصول المرأة إلى الوظائف الخضراء، وبرامج لبناء القدرة على الصمود والحد من المخاطر المناخية.

لا شك في أن المسار شاقّ، ولكن نظرًا إلى سجل المغرب القوي في التكيف مع تغير المناخ، بإمكان المملكة أن تقود المنطقة في الاندفاع نحو العمل المناخي المراعي للشمول الجندري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى