الرئسيةبيئةمجتمع

أحواض سوس ماسة: بين تحديات ندرة المياه وآفاق الاستدامة

تحرير: جيهان مشكور

تشهد المملكة المغربية في الآونة الأخيرة تحسنًا ملحوظًا في وضعها المائي نتيجة للأمطار الغزيرة التي ساهمت في رفع المخزون المائي بشكل ملحوظ، الأمر الذي انعكس إيجابيًا على الوضع العام للموارد المائية في العديد من الأحواض. ومع ذلك، يبقى التوزيع غير المتوازن للمياه أحد أكبر التحديات التي تواجه بعض المناطق، وعلى رأسها أحواض سوس ماسة ودرعة واد نون، اللتين لا تزالان تعانيان من أزمات مائية حادة تستدعي اتخاذ تدابير استثنائية لضمان الاستدامة في تلبية احتياجات السكان والأنشطة الاقتصادية.

في إطار هذا التوجه، تبقى أحواض سوس ماسة ودرعة من أكثر المناطق التي تواجه صعوبة في تأمين المياه الكافية لسكانها، حيث تشير الأرقام إلى أن نسبة ملء خزانات المياه في حوض سوس ماسة لم تتجاوز 22.26%، بينما سجل حوض درعة واد نون نسبة ملء بلغت 30.93%، تعكس هذه الأرقام صورة مقلقة تبرز هشاشة الوضع المائي في هاتين المنطقتين، خاصة في ظل تزايد الضغط على الموارد المائية نتيجة للتوسع العمراني والنمو السكاني، و تتفاقم هذه المشكلة بسبب انخفاض التساقطات المطرية على مدار السنوات الماضية، مما يجعل من توفير المياه للمجالات الزراعية والصناعية في هاتين المنطقتين أمرًا بالغ الأهمية، ولكنه في نفس الوقت يمثل تحديًا حقيقيًا في ظل شح هذه الموارد.

لكن في الوقت ذاته، لا يمكن إغفال التحسن العام الذي شهدته معظم الأحواض المائية في المملكة المغربية، فقد تمكنت المملكة من رفع مخزونها المائي الإجمالي ليصل إلى حوالي 6.3 مليارات متر مكعب، وهو ما رفع نسبة الملء بشكل عام إلى 37.92%، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي التي شهدت نسبة منخفضة وصلت إلى 26.84%.
يعكس هذا التحسن الجهود المستمرة في تحسين البنية التحتية المائية وتعزيز السدود لتلبية الاحتياجات المتزايدة، وهو ما يعد إنجازًا هامًا في إطار تحسين الاستدامة المائية في المملكة.

و من أبرز الأمثلة التي تجسد التحسن الذي شهدته المملكة في الوضع المائي يأتي سد الوحدة في إقليم تاونات، الذي شهد زيادة ملحوظة في المخزون المائي بلغ قدرها 1.24 مليون متر مكعب، ما رفع نسبة الملء في هذا السد إلى 55%، ويعتبر هذا التحسن انعكاسًا للزيادة العامة في المخزون المائي، ما يعزز من قدرة المملكة على مواجهة التحديات المائية التي قد تطرأ مستقبلاً.
ومع ذلك، تبقى بعض الأحواض في وضع مائي حرج، مثل حوض أم الربيع الذي سجل أدنى نسبة ملء بلغت 10.45%، هذا الواقع يفرض تحديات كبرى تتطلب استجابة سريعة لضمان استمرارية توفير المياه للمواطنين والأنشطة الاقتصادية في هذه المنطقة.

على الرغم من التحسن العام في الوضع المائي، يظل التوزيع غير المتوازن للمياه من أبرز المشكلات التي تحتاج إلى حلول مبتكرة وفعالة، ففي حين أن بعض الأحواض، مثل حوض اللوكوس الذي سجل نسبة ملء بلغت 61.63%، وحوض أبي رقراق بنسبة 59.03%، قد استفادت من الأمطار الأخيرة، إلا أن مناطق أخرى، مثل حوض أم الربيع، ما زالت تعاني من أزمات خانقة في مخزون المياه، ويبرز هذا التفاوت الكبير بين الأحواض في توزيع المياه كإحدى العقبات الأساسية أمام استدامة الموارد المائية في المملكة، مما يتطلب تعزيز أساليب إدارة الموارد المائية وتوزيعها بشكل عادل وفعّال.

إزاء هذا التحدي، يجب أن تواكب السياسات المائية في المغرب التحولات المستمرة في المناخ والظروف الطبيعية إذ لا يمكن الاكتفاء بحلول تقليدية في مواجهة الأزمات المائية، بل يتطلب الوضع استخدام تقنيات مبتكرة مثل تحسين أنظمة الري باستخدام التكنولوجيا الحديثة، والتوسع في استغلال المياه الجوفية والمياه المعالجة، وتطوير بنية التخزين المائي بما يتيح مواجهة الجفاف في المستقبل كذلك يجب العمل على توعية المواطن المغربي بأهمية ترشيد استهلاك المياه وحمايتها، لضمان استدامتها للأجيال القادمة.

إجمالًا، يشهد الوضع المائي في المغرب تحسنًا في بعض الأحواض، لكن تبقى أحواض سوس ماسة ودرعة واد نون في قلب التحديات التي تهدد استدامة موارد المياه في المملكة، ورغم التحسن في مخزون المياه على الصعيد الوطني، يبقى التوزيع العادل والتخطيط الاستراتيجي لموارد المياه في هذه المناطق المفتاح الأساسي لتحقيق الأمن المائي المستدام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى