
ماينكرافت تتصدر شباك التذاكر العالمي: نجاح غير مسبوق يعيد الحيوية لصالات السينما
شهدت الساحة السينمائية العالمية في الأسبوع الأول من أبريل 2025 حدثاً استثنائياً تمثل في الإطلاق المدوي لفيلم “ماينكرافت” (A Minecraft Movie)، الذي أنتجته استوديوهات “وارنر برذرز” بالتعاون مع “ليجندري بيكتشرز”.
هذا العمل السينمائي، المقتبس من اللعبة الرقمية الأشهر في العالم، لم يكن مجرد تجربة سينمائية عابرة، بل تحوّل إلى ظاهرة ثقافية واقتصادية بعد أن سجل إيرادات عالمية ضخمة تجاوزت حاجز 301 مليون دولار، منها 157 مليوناً في أميركا الشمالية و144 مليوناً من الأسواق الدولية.
يمثل هذا الرقم قفزة نوعية في أداء الأفلام المستوحاة من ألعاب الفيديو، حيث تجاوز بسهولة إنجازات أفلام سابقة مثل “سوبر ماريو بروس” من “يونيفرسال بيكتشرز” الذي جمع 146.4 مليون دولار في عطلة عيد الفصح عام 2023, وبذلك، حصد “ماينكرافت” لقب أفضل افتتاح في تاريخ السينما لأفلام مستوحاة من ألعاب، متجاوزاً التوقعات النقدية والجماهيرية على حد سواء.
لا يقتصر هذا النجاح على فئة الأفلام المقتبسة فقط، بل يمثل أيضاً أقوى افتتاح لعام 2025 حتى الآن، ويُعد ثاني أفضل انطلاقة محلية منذ فيلم “ديدبول وولفرين” في صيف 2024.
اللافت في الأمر أن هذا الإنجاز أتى في وقت حساس بالنسبة لصناعة السينما، التي شهدت تراجعاً في إيرادات شباك التذاكر خلال الأسابيع الأخيرة، لا سيما مع الأداء الضعيف لأفلام مثل “سنووايت”. لذا، يُعد هذا النجاح دفعة معنوية كبيرة لصناع الأفلام والموزعين وأصحاب صالات العرض، الذين يبحثون بشغف عن مشاريع جماهيرية تنقذ موسمهم.
لم يحقق الفيلم هذا الصدى الواسع بفضل شعبية اللعبة فقط، بل ساهمت جودة الإنتاج وأداء الطاقم التمثيلي اللامع في تعميق أثره، حيث يضم العمل أسماء بارزة مثل جيسون موموا، جاك بلاك، جينيفر كوليدج، دانييل بروكس، إيما مايرز وسباستيان يوجين هانسن. وتدور القصة في عالم مكعب الشكل يستلهم بيئة اللعبة، فيما يُجبر أربعة أشخاص غير منسجمين على التكاتف للعودة إلى عالمهم الأصلي، بقيادة شخصية “ستيف” الأيقونية التي يجسدها جاك بلاك، في مغامرة مليئة بالتحديات والتطورات المفاجئة.
من جهة التوزيع، أكد جيف غولدستين، رئيس التوزيع في وارنر برذرز، أن الفيلم لقي استقبالاً حافلاً في مختلف أنحاء العالم، من المدن الصغيرة إلى العواصم الكبرى، وعلّقت ماري بيرنت من لندن بأن الفيلم استطاع أن يترجم روح اللعبة إلى تجربة سينمائية مبهجة، لا يمكن محاكاتها إلا على الشاشات الكبيرة، وهو ما عكسه الإقبال الواسع على العروض الافتتاحية.
أما في السوق الصينية، فقد تصدّر الفيلم شباك التذاكر بإيرادات بلغت 14.6 مليون دولار، وهو أفضل أداء لفيلم هوليودي هناك هذا العام، مما يشير إلى أن جاذبيته لم تكن محصورة في الجمهور الغربي فقط، بل تجاوزت الحدود الثقافية والجغرافية، بفضل شعبية اللعبة نفسها التي تُعد الأكثر مبيعاً في تاريخ ألعاب الفيديو، مع أكثر من 300 مليون نسخة مباعة و174 مليون لاعب نشط شهرياً في عام 2024.
على الرغم من توقعات متحفظة من بعض الاستوديوهات بأن الإيرادات قد تقف عند حدود 135 مليون دولار في أميركا الشمالية، إلا أن الإقبال المفاجئ في اللحظات الأخيرة، خصوصاً مساء الجمعة، دفع الرقم النهائي إلى 157 مليون دولار، وهو ما يعكس دينامية جمهور الألعاب الرقمية وقدرتهم على تحويل فيلم مستوحى من لعبتهم المفضلة إلى حدث سينمائي عالمي.
وفي مقارنة سريعة مع الأفلام الأخرى المعروضة في الفترة نفسها، يبدو واضحاً مدى هيمنة “ماينكرافت” على شباك التذاكر. فقد جاء فيلم “رجل عامل” (A Working Man) في المركز الثاني بإيرادات متواضعة بلغت 7.3 ملايين دولار، متبوعاً بـ “المختار: العشاء الأخير (الجزء الثاني)” بحوالي 7.2 ملايين دولار، بينما تراجع فيلم “سنووايت”، الذي دخل أسبوعه الثالث، إلى المركز الرابع بإيرادات محلية لم تتجاوز 6.1 ملايين دولار، ما رفع إجماليه العالمي إلى 168.4 مليون دولار فقط.
تُعد هذه القفزة غير المتوقعة شهادة حية على التحولات التي يشهدها الذوق الجماهيري، وعلى قدرة السينما على إعادة اختراع نفسها حين تُحسن استخدام المواد الخام التي يقدّمها العصر الرقمي، من ألعاب الفيديو إلى الثقافة الشعبية. ومن خلال هذا النجاح، ترسّخ “ماينكرافت” ليس فقط كلعبة مهيمنة في تاريخ الترفيه الرقمي، بل أيضاً كعنوان سينمائي عالمي يعيد تعريف العلاقة بين صناعة السينما وعالم الألعاب.