الرئسيةرأي/ كرونيك

الخروج من المستنقع

بقلم عبدالرحمان الغندور

كشفت النقاشات التي فجرتها مسيرة التضامن مع الشعب الفلسطيني ومقاومته، ومناهضة التطبيع والتصهين، أن المغرب غارق في مستنقع آسن يزكم الانفاس بروائحه العفنة، وأن كل محاولة جماعية منظمة للخروج منه تصيب حراس هذا المستنقع بالرعب، فيتجندون بكل الوسائل للدود عنه والهجوم على الخارجين عنه بشتى أنواع الهجوم التي توفرها وسائل انتاج الذباب والبعوض الاليكتروني.

فمنذ سرقة أحلام حركة 20 فبراير عن طريق دستور شبع نوما في مهده، وكل المؤشرات تؤكد أن جميع المجالات والحقول التي من المفروض أن تنتج الخير والتقدم والرقي، وتبني أسس العدالة والحرية والكرامة والانصاف، وعلى رأسها الحقل السياسي بأغلبيته ومعارضته، وأحزابه ونقاباته. والحقل المؤسساتي بسلطه التشريعية والتنفيذية والقضائية… كل هذه الحقول قد أصيبت بالعقم وفقر الدم والشلل البنيوي وكل أوبئة التعفن…

بل إن هذه الحقول قد بلغت أكثر الدرجات انحطاطا في المواقف والتصريحات والسلوكات، يغذيها في ذاك إعلام مهترئ ومنخور، وثقافة تسطيحية وتبريرية، وتجر معها إلى الحضيض باقي الحقول الأخرى المعرفة والثقافة والفنون التي تصبح خادمة للرداءة ومروجة لها، مما يعمق ظاهرة العبث والعدمية والإهمال والتجاهل واللامبالاة ويغذي كل مسلكيات التفاهة والرداءة والسخافة والمجون إلى حدود السفالة والسفاهة.

إنهم يريدون اليوم أن يصبح الفاعل الحقيقي، في مؤسسات الدولة والتنظيمات السياسية والنقابية والكثير من الجمعيات المدنية هو من يضع على رأس مهامه “النضالية” وأولوياته الأساسية :
– 1 الدفاع عن الفساد واقتصاد الريع والارتشاء والاغتناء غير المشروع وتهريب الأموال.
2 – الوقوف إلى جانب كل اشكال الميوعة السياسية والترويج لها بكل الوسائل وفي جميع المواقع. بما في ذلك الترويج لمواقف التطبيع والصهينة وتبخيس المواقف المناهضة لهما.
3 – الحرص على استمرار تخريب المنظومة التعليمية والأخلاقية لضمان أجيال ترى في الرداءة قيمة اجتماعية وأخلاقية وبها تتم الشهرة والترقي واحتلال المواقع.
4 – جعل القضاء ضامنا لمصالح المفسدين بتشريع نصوص تحميهم، أو تعطيل النصوص التي تناقض مصالحهم، أو بشراء الأحكام القضائية لفائدتهم، أو تعطيل تنفيذها إذا كانت تضر بهم.
هذا هو إطار العمل المكشوف الذي يؤطر واقع الحال والممارسة الميدانية لمن يعتبرون انفسهم فاعلين، حيث يستأسد الحاكمون، من أجل أن يستبطن المحكومون كل قيم الخنوع والإذلال، وإرهاب كل من يتمرد على هذا الخضوع والاذلال بالطرق السلمية.

وحين تقرر أغلبية المراد إخضاعهم، الخروج من المستنقع والنزول إلى الشارع لفضح المنكر في الساحة الفلسطينية والمغربية. يصيب الذعر هذه ” الأسود الكارطونية ” فتحرك ذبابها وبعوضها لإعادة المتمردين للمستنقع، بافتعال نقاش رديء يبدأ بالتبخيس وينتهي بالاتهام بالسعي الى زعزعة الاستقرار والمس بالمقدسات، وخدمة أجندات أعداء الوطن، وتحريك مواجع التاريخ لتسفيه كل تقارب ممكن بين مكونات الشعب المغربي الرافضة للمستنقع.

ليعلم المرعوبون، ومن يكتبون لهم ويسخرون أفواههم لأكل الثوم مكانهم. أن حركة 20 فبراير لم تمت، بل دخلت حالة من الكمون اللحظي، لأن شروطها لا زالت مستمرة الاستفحال في كل اشكال الاستهتار والفساد، ولأن شروط الخروج من حالة الكمون تتفاعل محليا ومجاليا ووطنيا وقوميا، وأن مغادرة المستنقع التي كانت في 20 فبراير 2011، ستعيد نفسها بقوة أكثر وعيا وأكثر تلاحما وتوافقا بين مكونات الشعب المغربي الراغبة في الحرية والانعتاق والعدالة والكرامة والانصاف، وليس الصبح ببعيد…

فالمغرب في ظل الأوضاع الحالية يتجه بإصرار إلى منطقة الزوابع والبراكين والزلازل… حتى أصبح الأمل اليوم، ليس في تجنب الكارثة، بل في التفكير والتخطيط لما بعدها،… فالأمر بلغ أقصى الحدود التي يصبح فيها السكوت عن الحق جريمة أخلاقية وتاريخية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى