
لم يكن أحد يتوقع أن ينتهي مشوار فنة أقلاش، مصممة الأزياء المغربية اللامعة، داخل غرفة عمليات تجميلية، بعدما كانت رمزاً للأناقة المغربية التقليدية ووجهاً فنياً بارزاً في عالم تصميم القطان.
رحيلها المفاجئ خلال خضوعها لعملية تجميلية بسيطة ظاهرياً، مثّل صدمة واسعة في الأوساط الفنية والمجتمعية وأطلق موجة من التساؤلات المؤلمة حول واقع الطب التجميلي في المغرب، وحدود الأمان في هذا القطاع الذي يشهد توسعاً متسارعاً دون ضمانات كافية، بحسب مراقبين.
لم تكن فنة أقلاش مجرد مصممة أزياء عادية، لقد كانت أيقونة مغربية نقلت القفطان من رفوف التاريخ إلى منصات العرض العالمية، وجعلت منه لغة بصرية تتحدث عن الهوية والتراث والأنوثة بثقة، فعبر دار الأزياء الخاصة بها، “رياض القفطان”، سكنت القلوب قبل المنصات، وصنعت جسوراً بين الأصالة والحداثة في كل غرزة وإبرة، وجودها في المشهد لم يكن زينة أو عبوراً عابراً، بل كانت جزءاً من موجة إبداعية أنثوية مغربية معاصرة تعيد رسم صورة المرأة في الفنون والصناعات الإبداعية وطنيا و دوليا من خلال مشاركتها فى عروض الأزياء داخل وخارج الوطن.
لكن الحدث المأساوي قلب الصورة رأساً على عقب، بحسب ما توفر من معطيات أولية، فقد خضعت فنة لعملية شفط دهون البطن وشد عضلاتها في مصحة خاصة بمدينة طنجة، فبعد أن أكدت الفحوصات الطبية عدم وجود ما يمنعها من إجراء هذا التدخل التجميلي، بدت العملية روتينية، لكنها سرعان ما تحولت إلى كارثة صحية بعد تدهور مفاجئ في حالتها عقب مغادرتها غرفة العمليات، لِيَتم نقلها على وجه السرعة إلى قسم الإنعاش، حيث حاول الطاقم الطبي إنقاذها دون جدوى، فقد لفظت أنفاسها الأخيرة لتغيب عن عالم الأزياء ويبدأ فصل جديد من التساؤلات حول ما حدث خلف الأبواب المغلقة.
ما وقع في تلك الغرفة الطبية لم يكن مجرد فشل طبي، بل هزة عنيفة ضربت ثقة المجتمع في مهنة ترتبط مباشرة بصورة الجسد والهوية النفسية، فعملية من هذا النوع، رغم كونها شائعة في عالم التجميل، تفرض احتياطات معقدة وشروطاً صارمة، وهو ما أعاد النقاش إلى الواجهة حول مدى التزام المصحات الخاصة بمعايير السلامة وجودة الرعاية، خصوصاً أن بعضها بات يعتمد بشكل كبير على الترويج عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومؤثري الجمال، دون أن يكون للمريض العادي دراية كافية بما يدور خلف ستار البهرجة التسويقية.
في هذا السياق، سارعت السلطات الصحية المغربية إلى فتح تحقيق لمعرفة ملابسات الوفاة، ولفحص مدى احترام المصحة المعنية للمعايير الطبية المعتمدة، و في الوقت ذاته، انفجرت موجة غضب وحزن على المنصات الاجتماعية، حيث عبّر فنانون ومصممون ومحبون عن ألمهم الشديد لفقدان فنة، داعين إلى حماية الأرواح من المخاطر المرتبطة بهذا النوع من الجراحات، التي يبدو أنها باتت سهلة المنال ظاهرياً، لكنها تحمل في طياتها مجازفات قد تكون قاتلة.
اللافت في هذه الواقعة أنها تتجاوز الجانب الإنساني المرتبط بشخص فنة أقلاش، لتفتح باباً أوسع يتعلق بثقافة التجميل في المجتمعات العربية، فالجسد لم يعد ملكاً بيولوجياً، بل تحول إلى مشروع قابل للتعديل المستمر، بفعل ضغوط الصورة والإعلام والمعايير المفروضة على المرأة خصوصاً، و من هذا المنطلق، فنة ليست حالة فردية، بل هي مرآة لظاهرة تتطلب وقفة مجتمعية ونقاشاً قانونياً وأخلاقياً حول ما إذا كان الحق في الجمال يجب أن يكون مشروطاً بضمانات تحمي الحياة قبل المظهر.
وفاة فنة أقلاش ليست مجرد نهاية حزينة لمبدعة مغربية، بل علامة استفهام كبيرة في وجه قطاع بأكمله، يكشف كل يوم عن فجوات قانونية ومهنية وصحية.
إنها دعوة لإعادة تقييم منظومة الطب التجميلي، وخصوصاً في المصحات التي تعمل في الظل أو خارج رقابة صارمة، إنها أيضاً فرصة لفهمٍ أعمق لعلاقة الإنسان بجسده، ولمراجعة تصورات الجمال التي باتت أحياناً قاتلة.
رحيل فنة بهذا الشكل المفجع قد يتحول إلى لحظة وعي جماعي، إذا ما تم استثماره في إصلاح السياسات الصحية وتعزيز ثقافة الوقاية والمحاسبة، الجمال حق، نعم، لكن الحياة أولى، والمظهر لا يجب أن يكون على حساب الأمان، هذا الدرس القاسي الذي تركته فنة أقلاش خلفها، ربما يكون بوابة لتحول إيجابي في نظرتنا للجسد، للطب، وللقيمة الحقيقية للجمال.